الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

هذا دعاء من يوسف الصديق، دعا به ربه عز وجل، لما تمت نعمة الله عليه باجتماعه بأبويه وإخوته، وما منّ الله به عليه من النبوة والملك، سأل ربه عز وجل كما أتم نعمته عليه في الدنيا، أن يستمر بها عليه في الآخرة، وأن يتوفاه مسلماً حين يتوفاه، قاله الضحاك، وأن يلحقه بالصالحين وهم إخوانه من النبيين والمرسلين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف عليه السلام، قاله عند احتضاره، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت، ويقول " اللهم في الرفيق الأعلى " ثلاثاً، ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام، واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله، وانقضى عمره، لا أنه سأله ذلك منجزاً كما يقول الداعي لغيره أماتك الله على الإسلام، ويقول الداعي اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، ويحتمل أنه سأل ذلك منجزاً، وكان ذلك سائغاً في ملتهم كما قال قتادة قوله { تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ } لما جمع الله شمله، وأقر عينه، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها، اشتاق إلى الصالحين قبله. وكان ابن عباس يقول ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام، وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك، وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام، كما أن نوحاً أول من قالرَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِناً } نوح 28 ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك، وهو ظاهر سياق قول قتادة، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا. قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد متمنياً الموت، فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي " وأخرجاه في الصحيحين، وعندهما " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، إما محسناً فيزداد، وإِما مسيئاً فلعله يستعتب، ولكن ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إِذا كانت الوفاة خيراً لي " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة، حدثنا معان بن رفاعة، حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ورققنا، فبكى سعد بن أبي وقاص، فأكثر البكاء، وقال يا ليتني مت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا سعد أعندي تتمنى الموت؟ "

السابقالتالي
2 3