الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }

قوله تعالى: { عَنْ أَشْيَآءَ }: متعلق بـ " تَسْألوا " واختلف النحويون في " اشياء " على خمسة مذاهب، أحدها - وهو رَأْي الخليل وسيبويه والمازني وجمهور البصريين -: أنها اسمُ جمعٍ من لفظ " شيء " فيه مفردةٌ لفظاً جمعٌ معنى، كطَرْفاء وقَصْباء وأصلُها: شَيْئاء بهمزتين بينهما ألف ووزنها فَعْلاء كـ " طَرْفاء " فاستثقلوا اجتماعَ همزتين بينهما ألفٌ، لا سيما وقد سَبَقها حرفُ علة وهي الياءُ، وكَثُر دَوْر هذه اللفظةِ في لسانهم فَقَلبوا الكلمةَ بأَنْ قَدَّموا لامَها، وهي الهمزةُ الأولى على فائها وهي الشين فقالوا أَشْياء فصارَ وزنُها لَفْعاء، ومُنِعت من الصرف لألف التأنيث الممدودة. ورُجِّح هذا المذهبُ بأنه لم يلزْم منه شيءٌ غيرُ القلب، والقلبُ في لسانِهم كثيرٌ كالجاه والحادي والقِسِيّ وناءَ وآدُرٌ وآرام وضِئاء في قراءة قنبل وأَيِس. والأصل: وجه وواحد وقُووس ونَأَى وأَدْوُرُ وأَرْآم وضياء ويَئِس. واعترضَ بعضُهم على هذا بأن القلب على خلافِ الأصل، وأنه لم يَرِدْ إلا ضرورةً أو في قليلٍ من الكلام، وهذا مردودٌ بما قَدَّمْتُه من الأمثلةِ، ونحن لا نُنْكِرُ أنَّ القلبَ غير مطَّرد، وأما الشادٌّ القليل فنحو قولِهم: " رَعَمْلي " في " لَعَمْري " و " شَواعي " في " شوايع " قال:
1813- وكان أَوْلاها كِعابُ مُقامِرٍ   ضُرِبَتْ على شَزَنٍ فهنَّ شَواعِي
يريد شوائع.

وأمَّا المذاهبُ الآتية فإنه يَرِدُ عليها إشكالاتٌ، هذا المذهب سالمٌ منها فلذلك اعتبره الجمهورُ دونَ غيره.

المذهب الثاني - وبه قال الفراء -: أن أشياء جمع لـ " شيء " والأصل في شيء: شَيِّئ على فَيْعِل كـ " لَيِّن " ثم خُفِّف إلى " شيء " ما خففوا لَيّناً وهَيّناً ومَيّتاً إلى لَيْن وهَيْن ومَيْت، ثم جَمَعَه بعد تخفيفِه، وأصله أَشْيِئاء بهمزتين بينهما ألف بعد ياءٍ بزنة أَفْعِلاء فاجتمع همزتان: لام الكلمة والتي للتأنيث، والألف تشبه الهمزة والجمع ثقيل: فَخَفَّفُوا الكلمة بأن قلبوا الهمزة الأولى ياءً لانكسار ما قبلها، فيجتمع ياءان أولاهما مكسورة، فحذفوا الياء التي هي عينُ الكلمة تخفيفاً فصارت أَشْياء، ووزنها الآن بعد الخلاف أَفْلاء، فمَنْعُ الصرفِ لأجل ألف التأنيث، وهذه طريقة بعضِهم في تصريف هذا المذهب كمكي بن أبي طالب. وقال بعضهم كأبي البقاء: لَمَّا صارت إلى أَشْيئاء حُذِفت الهمزة الثانية التي هي لام الكلمة لأنَّها بها حَصَلَ الثِّقَلُ، وفُتِحَتِ الياءُ المسكورةُ لتسلمَ ألف الجمعِ فصار وزنُها: أَفْعاء.

المذهب الثالث - وبه قال الأخفش -: انَّ أَشْياء جمعُ " شَيْء " بزنة فَلْس، أي: ليس مخففاً من شَيِّئ كما يقوله الفراء، بل جمع شيء وقال " إن فَعْلاً يجمع على أَفْعِلاء فصار أَشِْيئاء بهمزتين بينهما ألف بعد ياء، ثم عُمِل فيه ما عُمِل في مذهب الفقراء، والطريقان المذكوران عن مكي وأبي البقاء في تصريف/ هذا المذهب جاريان هنا، وأكثر المصنفين يذكرون مذهب الفراء عنه وعن الأخفش قال مكي: " وقال الفراء والأخفش والزيادي: أَشْياء وزنها أَفْعِلاء، وأصلها أَشْيِئاء، كهيِّن وأَهْوِناء، لكنه خُفِّف " ثم ذَكر تصريفَ الكملةِ إلى آخر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6