الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

يعنـي بقوله: { واتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ } الفريق من أحبـار الـيهود وعلـمائها الذين وصفهم الله جل ثناؤه بأنهم نبذوا كتابه الذي أنزله علـى موسى وراء ظهورهم، تـجاهلاً منهم وكفراً بـما هم به عالـمون، كأنهم لا يعلـمون. فأخبر عنهم أنهم رفضوا كتابه الذي يعلـمون أنه منزل من عنده علـى نبـيه صلى الله عليه وسلم، ونقضوا عهده الذي أخذه علـيهم فـي العمل بـما فـيه، وآثروا السحر الذي تَلَتْه الشياطين فـي ملك سلـيـمان بن داود فـاتبعوه وذلك هو الـخسار والضلال الـمبـين. واختلف أهل التأويـل فـي الذين عُنوا بقوله: { واتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ علـى مُلْكِ سُلَـيْـمَانَ }. فقال بعضهم: عنى الله بذلك الـيهودَ الذين كانوا بـين ظهرانـيْ مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بـالتوراة، فوجدوا التوراة للقرآن موافقةً، تأمره من اتبـاع مـحمد صلى الله عليه وسلم وتصديقه بـمثل الذي يأمر به القرآن، فخاصموا بـالكتب التـي كان الناس اكتتبوها من الكهنة علـى عهد سلـيـمان. ذكر من قال ذلك: حدثنـي موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السدي: { واتّبَعُوا ما تَتْلُوا الشّياطِينُ علـى مُلْكِ سُلَـيْـمَانَ } علـى عهد سلـيـمان. قال: كانت الشياطين تصعد إلـى السماء، فتقعد منها مقاعد للسمع، فـيستـمعون من كلام الـملائكة فـيـما يكون فـي الأرض من موت أو غيث أو أمر، فـيأتون الكهنة فـيخبرونهم، فتـحدّث الكهنة الناس فـيجدونه كما قالوا. حتـى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم، فأدخـلوا فـيه غيره فزادوا مع كل كلـمة سبعين كلـمة. فـاكتتب الناس ذلك الـحديث فـي الكتب وفشا فـي بنـي إسرائيـل أن الـجنّ تعلـم الغيب. فبعث سلـيـمان فـي الناس، فجمع تلك الكتب فجعلها فـي صندوق، ثم دفنها تـحت كرسيه، ولـم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق، وقال: «لا أسمع أحداً يذكر أن الشياطين تعلـم الغيب إلا ضربت عنقه». فلـما مات سلـيـمان، وذهبت العلـماء الذين كانوا يعرفون أمر سلـيـمان، وخـلف بعد ذلك خَـلْفٌ، تـمثل الشيطان فـي صورة إنسان، ثم أتـى نفراً من بنـي إسرائيـل، فقال: هل أدلكم علـى كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا: نعم. قال: فـاحفروا تـحت الكرسي وذهب معهم فأراهم الـمكان. فقام ناحية، فقالوا له: فـادْنُ قال: لا ولكنـي هاهنا فـي أيديكم، فإن لـم تـجدوه فـاقتلونـي. فحفروا فوجدوا تلك الكتب، فلـما أخرجوها قال الشيطان: إن سلـيـمان إنـما كان يضبط الإنس والشياطين والطير بهذا السحر. ثم طار فذهب. وفشا فـي الناس أن سلـيـمان كان ساحراً واتـخذت بنو إسرائيـل تلك الكتب. فلـما جاءهم مـحمد صلى الله عليه وسلم خاصموه بها، فذلك حين يقول: { وَمَا كَفَرَ سُلَـيْـمَانُ وَلَكِنَّ الشّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّـمُونَ النّاسَ السِّحْرَ }.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد