الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلَٰـقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ }

{ واتبعوا ما تتلوا الشياطين } اى نبذ اليهود كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كتب السحرة التى تقرأها وتعمل بها الشياطين وهم المتمردون من الجن وتتلو حكاية حال ماضية والمراد بالاتباع التوغل والتمحض فيه والاقبال عليه بالكلية { على ملك سليمان } اى على عهد مكله وفى زمانه فحذف المضاف وعلى بمعنى فى. قال السدى كانت الشياطين تصعد الى السماء فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون فى الارض من موت وغيره ويأتون الكهنة ويخلطون بما سمعوا فى كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها فاكتتب الناس ذلك وفشا فى بنى اسرائيل ان الجن تعلم الغيب وبعث سليمان فى الناس وجمع تلك الكتب وجعلها فى صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال لا اسمع احدا يقول ان الشيطان يعلم الغيب الا ضربت عنقه فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون امر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل الشيطان على صورة انسان فاتى نفرا من بنى اسرائيل فقال هل ادلكم على كنز لا تأكلونه ابدا قالوا نعم قال فاحفروا تحت الكرسى وذهب معهم فاراهم المكان وقام ناحية فقالوا ادن قال لا ولكنى ههنا فان لم تجدوه فاقتلونى وذلك انه لم يكن احد من الشياطين يدنو من الكرسى الا احترق فحفروا واخرجوا تلك الكتب قال الشيطان ان سليمان كان يضبط الجن والانس والشياطين والطير بهذه ثم طار الشيطان وفشا فى الناس ان سليمان كان ساحرا واخذ بنوا اسرائيل تلك الكتب فلذلك اكثر ما يوجد السحر فى اليهود فلما جاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم برأ الله سليمان عليه السلام من ذلك وانزل فى عذر سليمان واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان { وما كفر سليمان } بالسحر وعلمه يعنى لم يكن ساحرا لان الساحر كافر والتعرض لكونه كفرا للمبالغة فى اظهار نزاهته عليه السلام وكذبه باهتيه بذلك { ولكن الشياطين كفروا } باستعمال السحر وتعليمه وتدوينه { يعلمون الناس السحر } اى كفروا والحال انهم يعلمونه اغواء واضلالا روى ان السحر من استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ودقة افهامهم { وما } اى ويعلمون الناس الذى { انزل على الملكين } اى ما الهما وعلما وهو علم السحر انزلا لتعليم السحر ابتلاء من الله للناس من تعلمه منهم وعمل به كان كافرا ومن تجنبه او تعلمه لا ليعمل به ولكن ليتوقاه كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه وهذا كما اذا اتى عرافا فسأله عن شىء ليمتحن حاله ويختبر باطن امره وعنده ما يميز به صدقه من كذبه فهذا جائز. قال الامام فخر الدين كان الحكمة فى انزالهما ان السحرة كانوا يسترقون السمع من الشياطين ويلقون ما سمعوا بين الخلق وكان بسبب ذلك يشتبه الوحى النازل على الانبياء فانزلهما الله الى الارض ليعلما الناس كيفية السحر ليظهر بذلك الفرق بين كلام الله وكلام السحرة { ببابل } الباء بمعنى فى وهى متعلقة بانزل او بمحذوف وقع حالا من الملكين وهى بابل العراق او بابل ارض الكوفة ومنع الصرف للعجمة والعلمية واحسن ما قيل فى تسميتها ببابل ان نوحا عليه السلام لما هبط الى اسفل الجودى بنى قرية وسماها ثمانين فاصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة احديها اللسان العربى وكان لا يفهم بعضهم من بعض كذا فى تفسير القرطبى { هاروت وماروت } كف بيان للملكين علمان لهما ومنع صرفها للعجمة والعلمية وما روى فى قصتهما من انهما شربا الخمر وسفكا الدم وزنيا وقتلا وسجدا للصنم فمما لا تعويل عليه لان مداره رواية اليهود مع ما فيه من المخالفة لادلة العقل والنقل ولعله من مقولة الامثال والرموز التى قصد بها ارشاد اللبيب الاريب وبالترغيب وذلك لان المراد بالملكين العقل النظرى والعقل العملى والمرأة المسماة بالزهرة هي النفس الناطقة الطاهرة فى اصل نشأتها وتعرضهما لها تعليمهما لها ما تسعد به فى النشأة الآخرة وحملها اياهما على المعاصى تحريضها اياهما بحكم الطبيعة المزاجية الى السفليات المدنسة لجوهرهما وصعودها الى السماء بما تعلمت منهما هو عروجها الى الملأ الاعلى ومخالطتها مع القدسيين بسبب انتصافها ونصحها كذا ذكره وجوه القوم من المفسرين.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7