الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

أخبر الله تعالى في هذه الآية انه بعد ارسال من ذكر قصته من الانبياء، وكفر قومهم، وانزال عذابه بهم. فالهاء والميم يجوز ان يكون كناية عن الانبياء الذين جرى ذكرهم، ويحتمل ان يكون كناية عن الامم التي - قد تقدم ذكرهم واهلاكهم - بعث اليهم موسى وارسله اليهم. والبعث الارسال وهو في الاصل النقل باعتماد يوجب الاسراع الى الشيء، فمنه قولهأنظرني إلى يوم يبعثون } أي من القبور، ومنه قولهثم بعثناكم من بعد موتكم } أي نقلناكم الى حال الحياة، وكذلك نقلنا موسى عن حاله بالارسال الى فرعون وملائه { بآياتنا } يعني بحججنا وبراهيننا. وقوله { فظلموا بها } معناه ظلموا أنفسم بجحدها، لان الظلم بالشيء على وجوه: منها السبب والآلة والجهة، نحو ظلم بالسيف الذي قتل به الناس، وظلم بذنبه له، وظلم بغصبه المال، وظلم بجحده الحق. وقيل " ظلموا بها " أي جعلوا بدل الايمان الكفر بها، لان الظلم وضع الشيء في غير موضعه الذي هو حقه.

وقوله { فانظر كيف كان عاقبة المفسدين } معنى النظر هو محاولة التصور للشيء بالفكر فيه، وهو طلب ادراك المعنى بالتأويل له. وقيل: هو تحديق القلب الى المعنى لادراكه، وكأنه قيل فانظر - يعني بالقلب - كيف كان عاقبتهم، وموضع (كيف) نصب لانه خبر (كان) وتقديره انظر أي شيء كان عاقبة المفسدين.