الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً } * { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً }

المعنى قل لهم يا نبي الله هل ننبئكم أي نخبركم بالأخسرين أعمالاً، أي بالذين هم أخسر الناس أعمالاً وأضيعها. فالأخسر صيغة تفضيل من الخسران وأصله نقص مال التاجر، والمراد به في القرآن غبنهم بسبب كفرهم ومعاصيهم في حظوظهم مما عند الله لو أطاعوه. وقوله { أعمالاً } منصوب على التمييز فإن قيل نبئنا بالأخسرين أعمالاً من هم؟ كان الجواب - هم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وبه تعلم أن " الذين " من قوله { ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ } خبر مبتدأ محذوف جواباً للسؤال المفهوم من المقام، ويجوز نصبه على الذم، وجره على أنه بدل من الأخسرين، أو نعت له، وقوله { ضَلَّ سَعْيُهُمْ } أي بطل عملهم وحبط، فصار كالهباء وكالسراب وكالرماد! كما في قوله تعالىوَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً } الفرقان 23، وقولهوَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } النور 39 الآية. وقولهمَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } إبراهيم 18 ومع هذا فهم يعتقدون أن عملهم حسن مقبول عند الله. والتحقيق أن الآية نازلة في الكفار الذين يعتقدون أن كفرهم صواب وحق، وأن فيه رضى ربهم، كما قال عن عبدة الأوثانمَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ } الزمر 3، وقال عنهموَيَقُولُونَ هَـٰؤُلاۤءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ } يونس 18، وقال عن الرهبان الذين يتقربون إلى الله على غير شرع صحيحوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ تَصْلَىٰ نَاراً حَامِيَةً } الغاشية 2-4 الآية، على القول فيها بذلك. وقوله تعالى في الكفارإِنَّهُمُ ٱتَّخَذُوا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } الأعراف30 وقولهوَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ } الزخرف 37 والدليل على نزولها في الكفار تصريحه تعالى بذلك في قوله بعده يليهأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } الكهف 105 الآية. فقول من قال إنهم الكفار، وقول من قال إنهم الرهبان، وقول من قال إنهم أهل الكتاب الكافرون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم كل ذلك تشمله هذه الآية. وقد روى البخاري في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سأله ابنه مصعب عن " الأخسرين أعمالاً " في هذه الآية هل هم الحرورية؟ فقال لا هم اليهود والنصارى. أما اليهود فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما النصارى فكفروا بالجنة، وقالوا لا طعام فيها، ولا شراب. والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، وكان سعيد يسميهم الفاسقين. اهـ من البخاري. وما روي عن علي رضي الله عنه من أنهم أهل حروراء المعرفون بالحورويين معناه أنهم يكون فيهم من معنى الآية بقدر ما فعلوا، لأنهم يرتكبون أموراً شنيعة من الضلال، ويعتقدون أنها هي معنى الكتاب والسنة؟، فقد ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

السابقالتالي
2