الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

اعلم أن المشركين طعنوا في الإسلام قالوا: ألا ترون إلى محمد يأمر أصحابه بأمر، ثم ينهاهم عنه، ويأمرهم بخلافه ويقول اليوم قولاً، وغداً يرجع عنه، كما قال تعالىوَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ } [النحل:101] فنزلت هذه الآية.

فى " ما " قولان:

أحدهما ـ وهو الظاهر ـ أنها مفعول مقدم لـ " ننسخ " ، وهي شرطية أيضاً جازمة لـ " ننسخ " ولكنها واقعة موصع المصدر، و " من آية " هو المفعول به، والتقدير: أي شيء ننسخ كقوله:أَيّاً مَّا تَدْعُواْ } [الإسراء:110]، أو: أيَّ نَسْخ نَنْسَخ من آية، قاله أبو البقاء وغيره، وقالوا: مجيء " ما " مصدراً جائز؛ وأنشدوا: [الكامل]
726ـ نَعَبَ الغُرَابُ فَقُلْتُ بَيْنٌ عَاجِلٌ     ما شِئْتَ إذْ ظَعَنُوا لِبَيْنٍ فَانْعَبِ
ورد هذا القول بشيئين:

أحدهما: أنه يلزم خلوّ جملة الجزاء من ضمير يعود على اسم الشرط، وهو غير جائز، لما تقدم عند قوله:مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ } [البقرة:97].

والثاني: أن " مِنْ " لا تزاد في الموجب، والشرط موجب، [وهذا فيه خلاف لبعض] البصريين أجاز زيادتها في الشرط؛ لأنه يشبه النفي، ولكنه خلاف ضعيف.

وقرأ ابن عامر: " نُنْسِخْ " بضم النون، وكسر السين من " أنسخ ".

قال أبو حاتم: " هو غلط " وهذه جُرْأة منه على عادته.

وقال أبو علي: " ليست لغة "؛ لأنه لا يقال: نسخ وأنسخ بمعنى، ولا هي للتعدية؛ لأن المعنى يجيء: ما نكتب من آية، وما ننزل من آية، فيجيء القرآن كله على هذا منسوخاً، وليس الأمر كذلك، فلم يبق إلا أن يكون المعنى: ما نَجِدْه منسوخاً كما يقال: أحمدته وأبخلته، أي: وجدته كذلك، ثم قال: " وليس نجده منسوخاً إلاّ بأن ننسخه، فتتفق القراءتان في المعنى، وإن اختلفتا في اللفظ ".

فالهمزة عنده ليست للتعدية. وجعل الزمخشري، وابن عطية الهمزة للتعدية، إلا أنهما اختلفا في تقدير المفعول الأول المحذوف، وفي معنى الإنساخ، فجعل الزمخشري المفعول المحذوف جبريل عليه السّلام، والإنساخ هو الأمر بنسخها، أي: الإعلام به.

وجعل ابن عطية المفعول ضمير النبي عليه السلام، والإنساخ إباحة النَّسْخ لنبيه، كأنه لما نسخها أباح له تركها، فسمى تلك الإباحة إنساخاً.

وخرج ابن عطية القراءة على كون الهمزة للتعدية من وجه آخر، وهو من نسخ الكتاب، وهو نقله من غير إزالة له.

قال: ويكون المعنى: ما نكتب وننزل من اللَّوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه، ونتركه فلا ننزله، أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله، فيجيء الضميران في " منها " و " بمثلها " عائدين على الضمير في " نَنسَأْهَا ".

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد