الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ ما } شرطية جازمة لننسخ منتصبة به على المفعولية اى أى شئ { ننسخ } ومحل قوله { من آية } نصب تمييز لما. والنسخ فى اللغة الازالة والنقل يقال نسخت الريح الاثر اى ازالته ونسخت الكتاب اى نقلته من نسخة الى نسخة ونسخ الآية بيان انتهاء التعبد بقراءتها او بالحكم المستفاد منها او بهما جميعا. اما الاول فكآية الرجم كما روى ان مما يتلى عليكم فى كتاب الله الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة فهو منسوخ التلاوة دون الحكم ومعنى النسخ فى مثلها انتهاء التكليف بقراءتها عند نسخ تلاوتها. واما الثانى فكآية عدة الوفاة بالحول قال تعالىوالذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج } البقرة 240 نسخت باربعة اشهر وعشرا لقوله تعالىيتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } البقرة 234. وكمصابرة الواحد لعشرة فى القتال نسخت بمصابرة الواحد للاثنين فهو منسوخ الحكم دون التلاوة وهو المعروف من النسخ فى القرآن فتكون الآية الناسخة والمنسوخة ثابتتين فى التلاوة الا ان المنسوخة لا يعمل بها ومعنى النسخ فى مثلها بيان انتهاء التكليف بالحكم المستفاد منها عند نزول الآية المتأخرة عنها وحسن بقاء التلاوة مع نسخ الحكم ورفعه ليبقى حصول الثواب بقراءتها فان القرآن كما يتلى لحفظ حكمه لتيسير العمل به يتلى ايضا لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه. واما الثالث فكما روى عن عائشة رضى الله عنها انها قالت كان مما يتلى فى كتاب الله عشر رضعات يحرمن ثم نسخ بخمس رضعات يحرمن فهو منسوخ الحكم والتلاوة جميعا ومعنى النسخ فى مثلها بيان انتهاء التكليف بقراءتها وبالحكم المستفاد منها عند نسخها. قال القرطبى الجمهور على ان النسخ انما هو مختص بالاوامر والنواهى والخبر لا يدخله النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى { او ننسها } انساء الآية اذهابها من القلوب كما " روى ان قوما من الصحابة قاموا ليلة ليقرؤا سورة فلم يذكروا منها الا البسملة فغدوا الى النبى عليه السلام واخبروه فقال صلى الله عليه وسلم " تلك سورة رفعت بتلاوتها واحكامها ". روى ان المشركين او اليهود قالوا ألا ترون الى محمد يأمر اصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ما يقول الا من تلقاء نفسه يقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا كما امر فى حد الزنى بايذائهما باللسان حيث قالفآذوهما } النساء 16. ثم جعله منسوخا وامر بامساكهن فى البيوتحتى يتوفاهن الموت } النساء 15. ثم جعله منسوخا بقولهفاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } النور 2. يريدون بذلك الطعن فى الاسلام ليضعفوا عزيمة من اراد الدخول فيه فبين الله الحكمة فى النسخ بهذه الآية والمعنى ان كل آية تذهب بها على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من ازالة لفظها او حكمها او كليهما معا الى بدل او الى غير بدل { نأت بخير } اى بآية هى خير { منها } للعباد بحسب الحال فى النفع والثواب من الذاهبة وليس المقصود ان آية خير من آية لان كلام الله واحد وكله خير فلا يتفاضل بعض الآيات على بعض فى انفسها من حيث انه كلام الله ووحيه وكتابه بل التفاضل فيها انما هو بحسب ما يحصل منها للعباد { او مثلها } فى المنفعة والثواب فكل ما نسخ الى الايسر فهو اسهل فى العمل وما نسخ الى الاشق فهو فى الثواب اكثر اما الاول فكنسخ الاعتداد بحول ونقله الى الاعتداد باربعة اشهر وعشرا واما الثانى فكنسخ ترك القتال بايجابه وقد يكون النسخ بمثل الاول لا اخف ولا اشق كنسخ التوجه الى بيت المقدس بالتوجه الى الكعبة وهذا الحكم غير مختص بنسخ الآية التامة فما فوقها بل جار فيما دونها ايضا وتخصيصها بالذكر باعتبار الغالب.

السابقالتالي
2