الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }

ذكر الواقدي وابو جعفر (ع) أن سبب نزول هذه الآية ما قال أسامة بن زيد عن أبيه قال: كان تميم الداري وأخوه عدي نصرانيين وكان متجرهما الى مكة، فلما هاجر رسول الله (ع) الى المدينة قدم ابن أبي مارية مولى عمرو بن العاص المدينة وهو يريد الشام تاجراً فخرج هو وتميم الداري وأخوه عدي حتى اذا كانوا ببعض الطريْق مرض ابن أبي مارية فكتب وصية بيده ودسها في متاعه وأوصى اليهما ودفع المال اليهما وقال أبلغنا هذا أهلي، فلما مات فتحا المتاع وأخذا ما أعجبهما مناه ثم رجعا بالمال الى الورثة، فلما فتش القوم المال فقدوا بعض ما كان خرج به صاحبهم، ونظروا الى الوصية فوجدوا المال فيها تاماً وكلموا تميماً وصاحبه، فقالا: لا علم لنا به وما دفعه الينا أبلغناه كما هو، فرفعوا أمرهم الى النبي (صلى الله عليه وسلم) فنزلة هذه الآية.

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } قيل في معنى الشهادة - ها هنا - ثلاثة أقوال:

أحدها - الشهادة التي تقام بها الحقوق عند الحكام.

الثاني - شهادة الحضور لوصيين.

الثالث - شهادة أيمان بالله اذا ارتاب بالوصيين من قول القائل: أشهد بالله اني لمن الصادقين. والأول أقوى واليق بالقصة. وفي كيفية الشهادة قيل قولان:

أحدهما - أن يقول صحيحاً كان أو مريضاً: اذا حضرني الموت فافعلوا كذا وكذا. ذكره الزجاج.

الثاني - اذا حضرت أسباب الموت من المرض.

وقيل في رفع { شهادة } ثلاثة أقوال:

أحدها - أن يكون رفعاً بالابتداء وتقديره شهادة بينكم: شهادة اثنين، ويرتفع { اثنان } بأنه خبر الابتداء ثم حذف المضاف وأقيم المضاف اليه مقامه. قال أبو علي الفارسي: واتسع في (بين) وأضيف اليه المصدر، وذلك يدل على قول من يقول: ان الظرف الذي يستعمل يجوز أن يستعمل إِسماً في غير الشعر، كما قال تعالىلقد تقطع بينكم } فيمن رفع. وجاء في الشعر:
فصادف بين عينيه الجبوبا   
الثاني - على تقدير محذوف وهو عليكم شهادة بينكم أو مما فرض عليكم شهادة بينكم، ويرتفع اثنان بالمصدر ارتفاع الفاعل بفعله.

والثالث - ان يكون الخبر { إذا حضر } فعلى هذا لا يجوز أن يرتفع { اثنان } بالمصدر، لأنه خارج عن الصلة بكونه بعد الخبر، لكن على تقدير ليشهد اثنان، ولا يجوز أن يتعلق اذا حضر بالوصية لأمرين:

أحدهما - ان المضاف اليه لا يعمل فيما قبل المضاف، لأنه لو عمل فيما قبله للزم أن يقدر وقوعه في موضعه فاذا قدِّر ذلك لزم تقديم المضاف عليه على المضاف، ومن ثم لم يجز (القتال زيداً) حين يأتي.

والآخر ان الوصية مصدر، فلا يتعلق به ما يتقدم عليه.

السابقالتالي
2