الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً }

{ وَقُرْءانًا } نصب بفعل مضمر يفسره قوله تعالى: { فَرَقْنَاهُ } فهو من باب الاشتغال ورجح النصب على / الرفع العطف على الجملة الفعلية ولو رفع على الابتداء في غير القرآن جاز إلا أنه لا بد له من ملاحظة مسوغ عند من لا يكتفي في صحة الابتداء بالنكرة بحصول الفائدة وعلى هذا أخرجه الحوفي. وقال ابن عطية: هو مذهب سيبويه، وقال الفراء: هو منصوب بِـ { أَرْسَلْنَاكَ } أي: ما أرسلناك إلا مبشرًا ونذيرًا وقرءانًا كما تقول رحمة لأن القرآن رحمة، ولا يخفى أنه إعراب متكلف لا يكاد يقوله فاضل. ومما يقضي منه العجب ما جوزه ابن عطية من نصبه بالعطف على الكاف فيأَرْسَلْنَـٰكَ } [الإسراء: 105].

وقال أبو البقاء وهو دون الأول وفوق ما عداه: إنه منصوب بفعل مضمر دل عليهءاتَيْنَا } [الإسراء: 101] السابق أوأَرْسَلْنَـٰكَ } [الإسراء: 105] وجملة { فَرَقْنَاهُ } في موضع الصفة له أي آتيناك قرآناً فرقناه أي أنزلناه منجماً مفرقاً أو فرقنا فيه بين الحق والباطل فحذف الجار وانتصب مجروره على أنه مفعول به على التوسع كما في قوله:
ويوماً شهدناه سليماً وعامراً   
وروي ذلك عن الحسن، وعن ابن عباس بينا حلاله وحرامه، وقال الفراء: أحكمناه وفصلناه كما في قوله تعالى:فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 4] وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه وابن عباس وأبـي وعبد الله وأبو رجاء وقتادة والشعبـي وحميد وعمر بن فائد وزيد بن علي وعمرو بن ذر وعكرمة والحسن بخلاف عنه { فرقناه } بشد الراء ومعناه كالمخفف أي أنزلناه مفرقاً منجماً بيد أن التضعيف للتكثير في الفعل وهو التفريق، وقيل فرق بالتخفيف يدل على فصل متقارب وبالتشديد على فصل متباعد والأول أظهر. ولما كان قوله تعالى الآتي { عَلَىٰ مُكْثٍ } يدل على كثرة نجومه كانت القراءتان بمعنى، وقيل معناه فرقنا آياته بين أمر ونهي وحكم وأحكام ومواعظ وأمثال وقصص وأخبار مغيبات أتت وتأتي والجمهور على الأول.

وقد أخرج ابن أبـي حاتم وابن الأنباري وغيرهما عن ابن عباس قال: نزل القرآن جملة واحدة من عند الله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة ونجمه جبريل عليه السلام على النبـي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، وفي رواية أنه أنزل ليلة القدر في رمضان ووضع في بيت العزة في السماء الدنيا ثم أنزل نجوماً في عشرين، وفي رواية في ثلاث وعشرين سنة وفي أخرى في خمس وعشرين، وهذا الاختلاف على ما في «البحر» مبني على الاختلاف في سنه صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن الضريس من طريق قتادة عن الحسن كان يقول: أنزل الله القرآن على نبـي الله صلى الله عليه وسلم في ثماني عشرة سنة ثمان سنين بمكة وعشر بعد ما هاجر.

السابقالتالي
2