الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱسْتَحَبُّواْ ٱلْحَيَاةَ ٱلْدُّنْيَا عَلَىٰ ٱلآخِرَةِ وَأَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }

هذه الجملة واقعة موقع التعليل فلذلك فصلت عن التي قبلها، وإشارة ذلك إلى مضمون قولهفعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم } سورة النحل 106. وضمير { بأنهم } عائد إلىمن كفر بالله } سورة النحل 106 سواء كان ما صْدق { مَن } معيّناً أو مفروضاً على أحد الوجهين السابقين. والباء للسببية، فمدخولها سبب. و { استحبّوا } مبالغة في أحبوا مثل استأخر واستكان. وضمن استحبّوا معنى فضّلوا فعدي بحرف على، أي لأنهم قدّموا نفع الدنيا على نفع الآخرة، لأنهم قد استقر في قلوبهم أحقّية الإسلام وما رجعوا عنه إلا خوفَ الفتنة أو رغبة في رفاهية العيش، فيكون كفرهم أشدّ من كفر المستصحبين للكفر من قبل البعثة. { وأن الله لا يهدى القوم الكافرين } سبب ثَان للغضب والعذاب، أي وبأن الله حرمهم الهداية فهم موافونه على الكفر. وقد تقدم تفسير ذلك عند قوله تعالىإن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله } سورة النحل 104. وهو تذييل لِما في صيغة { القوم الكافرين } من العموم الشامل للمتحدّث عنهم وغيرهم، فليس ذلك إظهاراً في مقام الإضمار ولكنه عموم بعد خصوص. وإقحام لفظ قوم للدّلالة على أن من كان هذا شأنهم فقد عرفوا به وتمكّن منهم وصار سجيّة حتى كأنهم يجمعهم هذا الوصفُ. وقد تقدّم أن جريان وصف أو خبر على لفظ قوم يؤذن بأنه من مقوّمات قوميتهم كما في قوله تعالىلآيات لقوم يعقلون } في سورة البقرة 164، وقوله تعالىوما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } في سورة يونس 101.