الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }

يقول تعالى ذكره: { فَاطِرُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ } ، خالق السموات السبع والأرض. كما: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { فاطِرُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ } قال: خالق. وقوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً } يقول تعالى ذكره: زوّجكم ربكم من أنفسكم أزواجاً. وإنما قال جلّ ثناؤه: { مِنْ أنْفُسِكُمْ } لأنه خلق حوّاء من ضلع آدم، فهو من الرجال. { وَمِنَ الأنْعامِ أزْوَاجاً } يقول جلّ ثناؤه: وجعل لكم من الأنعام أزواجاً من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، ذكوراً وإناثاً، ومن كل جنس من ذلك { يَذْرَؤُكُم فِيهِ }: يقول: يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم، ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام. وقد اختلف أهل التأويل في معنى قوله: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } في هذا الموضع، فقال بعضهم: معنى ذلك: يخلقكم فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } قال: نسل بعد نسل من الناس والأنعام. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { يَذْرَؤُكُمْ } قال: يخلقكم. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهد، في قوله: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } قال: نسلاً بعد نسل من الناس والأنعام. حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن منصور، أنه قال في هذه الآية: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } قال: يخلقكم. وقال آخرون: بل معناه: يعيشكم فيه. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعام أزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } يقول: يجعل لكم فيه معيشة تعيشون بها. حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } قال: يعيشكم فيه. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ } قال: عيش من الله يعيشكم فيه. وهذان القولان وإن اختلفا في اللفظ من قائليهما فقد يحتمل توجيههما إلى معنى واحد، وهو أن يكون القائل في معناه يعيشكم فيه، أراد بقوله ذلك: يحييكم بعيشكم به كما يحيى من لم يخلق بتكوينه إياه، ونفخه الروح فيه حتى يعيش حياً. وقد بيَّنت معنى ذرء الله الخلق فيما مضى بشواهده المغنية عن إعادته. وقوله: { لَيْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } فيه وجهان: أحدهما أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد، كما قيل:

السابقالتالي
2