الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } * { وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ } * { فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً } قال ابن عباس وجمهور المفسرين: أصبح قلبها فارغاً من كل شيء إلا من ذكر موسى.

وقال الحسن ومحمد بن إسحاق: فارغاً من الوحي الذي أوحى الله تعالى إليها حين أمرها أن تلقيه في البحر، ومن العهد الذي عهد إليها أنه يردُّه عليها، فجاءها الشيطان وقال: يا أم موسى كرهت أن يَقتُل فرعون موسى ولك أجره، وتوليت أنت قتله فألقيتيه أنت في البحر وغرّقتيه، فلما [أتاها] الخبر أن فرعون أصابه قالت: إنه قد وقع في يد عدوه الذي فررت [به] منه، فأنساها عظيم البلاء ما كان من عهد الله تعالى إليها، فذلك قوله تعالى: { وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً }.

وقال أبو عبيدة: فارغاً من الحزن؛ لعلمها أنه لم يَغرَق.

وعجب ابن قتيبة من هذا وقال: كيف يكون كذلك والله تعالى يقول: { لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا }؟! وهل يُربَطُ إلا على قلب الجازع المحزون؟!.

وقال صاحب الكشاف: " فارغاً ": صفراً من العقل. والمعنى: أنها حين سمعت بوقوعه في يد فرعون طار عقلها؛ لما دهشها من فرط الجَزَع، ونحوه:وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَآءٌ } [إبراهيم: 43]، أي: جُوَّفٌ لا عقول فيها. ويدل عليه قراءة من قرأ: " فَزِعاً " ، وقرئ: " قَرِعاً " أي: خالياً، من قولهم: أعوذ بالله من صِفْر الإناء وقَرْع الفِنَاء، و " فِرْغاً " من قولهم: دماؤهم بينهم فِرْغ، أي: هَدْر، يعني: بَطَلَ قلبُها وذهبَ، وبقيت لا قلب لها من شدة ما ورد عليها.

قلت: الذي قرأ: " فَزِعاً " بفاء معجمة بواحدة وزاي معجمة مكسورة وعين مهملة: أبو رزين والضحاك وأبو العالية وقتادة وعاصم الجحدري في آخرين. وبها قرأتُ على شيخنا أبي البقاء عبدالله بن الحسين النحوي للكسائي من رواية ابن أبي سريج عنه.

ومثلهم قراءة عبدالله بن عباس ومعاذ القارئ وأبو عمران الجوني، إلا أنهم سكّنوا الزاي.

والذي قرأ: " قَرِعاً " بقاف وراء مهملة مكسورة وبعين مهملة: أبي بن كعب، وأبو نهيك، وأبو المتوكل، وأبو رجاء العطاردي. ومثلهم قرأ ابن مسعود، وأبو مجلز، وأبو الجوزاء، إلا أنهم فتحوا الراء.

قوله تعالى: { إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ } أي: بموسى وذلك حين فارقته.

قال ابن عباس: كادت تقول: يا بنياه! من شدة وَجْدِها عليه.

وقال السدي: كادت تقول حين حملت لرضاعه: هذا ابني.

وقال ابن السائب: كادت تقول: هو ابني، لما كبر وسمعت الناس يقولون: هذا ابن فرعون.

وحكى ابن جرير: أن الضمير يعود إلى الوحي، على معنى: إن كادت لتبدي بالوحي، فتتحدث بأنها فعلت ما فعلت من إلقائه في اليم، وما بُشّرت به من رَدِّهِ إليها، وجَعْلِهِ من المرسلين.

السابقالتالي
2