الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } * { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } * { تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } * { وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } * { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } * { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ }

قوله عز وجل: { وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ } فيه وجهان:

أحدهما: من شقوق.

الثاني: من فتوق، قاله ابن عيسى إلا أن الملك تفتح له أبواب السماء عند العروج.

قوله عز وجل: { وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا } أي بسطناها.

{ وَألْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ } يعني الجبال الرواسي الثوابت، واحدها راسية قال الشاعر:

رسا أصله تحت الثرى وسما به   إلى النجم فرع لا ينال طويل
{ مِن كُلِّ زَوْجٍ } أي من كل نوع.

{ بَهِيجٍ } فيه وجهان:

أحدهما: حسن، مأخوذ من البهجة وهي الحسن.

الثاني: سارّ مأخوذ من قولهم قد أبهجني هذا الأمر أي سرني، لأن السرور يحدث في الوجه من الإسفار والحمرة ما يصير به حسناً. قال الشعبي: الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.

قوله عز وجل: { تَبْصِرَةً } فيها ثلاثة أوجه:

أحدها: يعني بصيرة للإنسان، قاله مجاهد.

الثاني: نعماً بصر الله بها عباده، قاله قتادة.

الثالث: يعني دلالة وبرهاناً.

{ وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أن المنيب المخلص، قاله السدي.

الثاني: أنه التائب إلى ربه، قاله قتادة.

الثالث: أنه الراجع المتذكر، قاله ابن بحر.

وقد عم الله بهذه التبصرة والذكرى وإن خص بالخطاب كل عبد منيب لانتفاعه بها واهتدائه إليها.

قوله عز وجل: { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مََآءً مُّبَارَكاً } يعني المطر، لأنه به يحيا النبات والحيوان.

{ فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ } فيها هنا وجهان:

أحدهما: أنها البساتين، قاله الجمهور.

الثاني: الشجر، قاله ابن بحر.

{ وَحَبَّ الْحَصِيدِ } يعني البر والشعير، وكل ما يحصد من الحبوب، إذا تكامل واستحصد سمي حصيداً، قال الأعشى:

لسنا كما إياد دارها   تكريث ينظر حبه أن يحصدا
قوله عز وجل: { وَالنَّخْلَ بِاسَقَاتٍ } فيها وجهان:

أحدهما: أنها الطوال، قاله ابن عباس ومجاهد. قاله الشاعر:

يا ابن الذين بفضلهم   بسقت على قيس فزاره
أي طالت عليهم.

(الثاني) أنها التي قد ثقلت من الحمل، قاله عكرمة. وقال الشاعر:

فلما تركنا الدار ظلت منيفة   بقران فيه الباسقات المواقر
{ نَضِيدٌ } أي منضود، فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: أن النضيد المتراكم المتراكب، قاله ابن عباس في رواية عكرمة عنه.

الثاني: أنه المنظوم، وهذا يروى عن ابن عباس أيضاً.

الثالث: أنه القائم المعتدل، قاله ابن الهاد.

قوله عز وجل: { رِزْقاً لِلْعِبَادِ } يعني ما أنزله من السماء من ماء مبارك، وما أخرجه من الأرض بالماء من نبات وحب الحصيد وطلع نضيد.

{ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مِّيتاً كَذِلكَ الْخُرُوجُ } جعل هذا كله دليلاً على البعث والنشور من وجهين:

أحدهما: أن النشأة الأولى إذا خلقها من غير أصل كانت النشأة الثانية بإعادة ما له أصل أهون.

الثاني: أنه لما شوهد من قدرته، إعادة ما مات من زرع ونبات كان إعادة من مات من العباد أولى للتكليف الموجب للجزاء.