الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } السبب في نزولها: [ما] أخبرنا به الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن قالا: أخبرنا أبو الوقت، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حمويه السرخسي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، حدثنا حفص بن عمر، حدثنا خالد بن عبد الله، أخبرنا حصين، عن سالم [بن] أبي الجعد، [وعن] أبي سفيان، عن جابر بن عبد الله قال: " أقبلتْ عيرٌ يومَ الجمعة ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، فثار الناسَ إلا اثني عشر رجلاً، فأنزل الله تعالى: { وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها " وأخرجه مسلم أيضاً.

وفي رواية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائماً، فجاءت عير من الشام، فخرج الناس إليها، فلم يبق إلا اثنا عشر رجلاً فيهم أبو بكر وعمر ".

وفي رواية: " إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم ".

قال الحسن وأبو مالك: أصاب أهلَ المدينة جوعٌ وغلا السعر، فقدم دحية بن خليفة بتجارة من الشام، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فلما رأوه قاموا إليه بالبقيع، خشوا أن يُسبقوا إليه، فلم يبق من القوم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا رهط، منهم أبو بكر وعمر، فنزلت هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده، لو تتابعتم حتى لم يبق منكم أحد لَسَالَ بكم الوادي ناراً ".

وقال قتادة ومقاتل: بلغنا أنهم فعلوا ذلك ثلاث مرات لعير تقدم من الشام، وكان ذلك يوافق يوم الجمعة.

والمراد باللهو: الطَّبْل، وذلك أن العير كانت إذا قدمت المدينة استقبلوها بالطَّبْل والتصفيق.

وقال مقاتل: كان دحية بن خليفة إذا قدم من الشام يقدم بكل ما يحتاج إليه من دقيق أو بُرٍّ أو غيره، فينزل عند أحجار الزيت -وهو مكان في سوق المدينة-، ثم يُضرب الطَّبْل ليُؤذِنَ الناسَ بقدومه.

والضمير في " إليها " راجع إلى التجارة؛ لأنها أهمّ. هذا قول الفراء والمبرد.

وقيل: التقدير: وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهواً انفضوا إليه، فحذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، وكذلك قراءة من قرأ: " انفضوا إليه " على ضمير المذكّر.

وهي قراءة ابن مسعود، وهذا اختيار الزجاج.

وقد قُرئ: " انفضوا إليهما ".

{ وَتَرَكُوكَ قَآئِماً } يعني: على المنبر.

وقال الواحدي: أجمعوا على أن هذا القيام كان في الخطبة.

وسُئل ابن مسعود: أكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب قائماً أو قاعداً؟ قال: أما تقرأ: { وَتَرَكُوكَ قَآئِماً }.

{ قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ } من ثواب الصلاة والثبات مع نبيه صلى الله عليه وسلم { خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } فإنه ينعم بالنوال قبل السؤال، ويرزق على كل [حال].

قال الزجاج: أي: ليس يفوتهم من أرزاقهم لتخلّفهم عن النظر إلى الميرة شيء، ولا بتركهم البيع في وقت الصلاة. والله تعالى أعلم.