الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا ٱخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى ٱللَّهِ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } * { فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } * { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وما اختلفتمْ فيه من شيءٍ فحُكمه إِلى الله } ، حكاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين، بدليل قوله: { ذلكم اللهُ ربي } أي: ما خالفكم الكفار فيه من أهل الكتاب والمشركين، من أمور الدين، واختلفتم أنتم وهم، فحُكم ذلك المختلف فيه راجع إلى الله، ومُفوض إليه، وهو إثابةُ المحقّين فيه، ومعاقبة المبطلين. والمختار العموم، أي: وما اختلفتم فيه أيها الناس من أمور الدين، سواء رجع ذلك الاختلاف إلى الأصول أو الفروع، فحُكم ذلك إلى الله، وقد قال في آية أخرى:فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ } [النساء: 59]. فكل ما اختلف فيه يُردّ إلى كتاب الله، ثم إلى سنّة رسول الله، ثم إلى الإجماع، ثم القياس، فهذه هي قواعد الشريعة، وعليها بُنيت الأحكام، فمَن خرج عنها فهو مبطل، ففي كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم من علم الأصول والفروع ما فيه غُنية، فإن لم يوجد نص فالإجماع أو القياس. وقيل: ما اختلفتم فيه من العلوم، التي لا تتصل بتكليفكم، ولا طريق لكم إلى علمه، فقولوا: الله أعلم. ثم قال: { ذلكم اللهُ ربي } أي: ذلكم العظيم الشأن الله مالكي ومدبر أمري، { عليه توكلتُ } في جميع أموري، لا على غيره، { وإِليه أُنيبُ } أرجع في كل ما يعرض لي، لا إلى أحد سواه. وحيث كان التوكُّل أمراً واحداً مستمراً، والإنابة متعددة، متجددة بحسب تجدُّد مؤداها، أُوثر في الأول صيغة الماضي، والثاني صيغة المضارع. { فاطرُ السماواتِ والأرضِ } خالقهما ومظهرهما، وهو خبر ثان لذلكم، أو عن مضمر، { جعل لكم من أنفسكم } من جنسكم { أزواجاً } نساء { ومن الأنعام أزواجاً } أي: وجعل للأنعام من جنسها أزواجاً، أو: خلق لكم من الأنعام أصنافاً ذكوراً وإناثاً، { يذرؤكم فيه } أي: يكثّركم فيما ذكر من التدبير البديع، من: الذرء، وهو البث، فجعل الناس والأنعام أزواجاً، حتى كان بين ذكورهم وإناثهم التوالد والتناسل، واختير لفظ " فيه " على " به " لأنه جَعَل هذا التدبير كالمنبع والمعدن للبث والتكثير. والضمير في " يذرؤكم " يرجع إلى المخاطَبين والأنعام، مغلباً فيه المخاطبون العقلاء على غيرهم. وقال الهروي: { يذرؤكم فيه } أي: يكثّركم بالتزويج، كأنه قال: يذرؤكم به. هـ. وقال ابن عطية: لفظة " ذرأ " تزيد على لفظة " خلق " معنى آخر، ليس في خلق، وهو توالي طبقاته على مرّ الزمان، وقوله: " فيه " الضمير عائد على الجعل. وقال القتبي: الضمير للتزويج. هـ. { ليس كمثله شيءٌ } أي: ليس مثله شيء في شأن من الشؤون، التي من جملتها هذا التدبير البديع. قيل: إن كلمة التشبيه كررت لتأكيد نفي التماثل لأن زيادة الحرف بمنزلة إعادة الجملة.

السابقالتالي
2 3