الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } استثناء منٱلإِنْسَانَ } [هود: 9] وهو متصل إن كانت أل فيه لاستغراق الجنس، وهو الذي نقله الطبرسي مخالفاً لابن الخازن عن الفراء، ومنقطع إن كانت للعهد إشارة إلى الإنسان الكافر مطلقاً، وعن ابن عباس أن المراد منه كافر معين وهو الوليد بن المغيرة، وقيل: هو عبد الله بن أمية المخزومي، وذكره الواحدي، وحديث الانقطاع على الروايتين متصل، ونسب غير مقيد بهما إلى الزجاج والأخفش وأيًا مّا كان فالمراد صبروا على ما أصابهم من الضراء سابقاً أو لاحقاً إيماناً بالله تعالى واستسلاماً لقضائه تعالى:

{ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } شكراً على نعمه سبحانه السابقة واللاحقة، قال المدقق في «الكشف»: لما تضمن اليأس عدم الصبر والكفران عدم الشكر كان المستنثى من ذلك ضده ممن اتصف بالصبر والشكر فلما قيل: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } الخ كان بمنزلة إلا الذين صبروا وشكروا وذلك من صفات المؤمن، فكني بهما عنه فلذا فسره الزمخشري بقوله: إلا الذين آمنوا، فإن عادتهم إذا أتتهم رحمة أن يشكروا وإذا زالت عنهم نعمة أن يصبروا فلذا حسنت الكناية به عن الإيمان، ثم عرض بشيخه الطيبـي بقوله: وأما دلالة { صَبَرُواْ } على أن العمل الصالح شكر لأنه ورد في الأثر «الإيمان نصفان: نصف صبر ونصف شكر، ودلالة { عَمِلُواْ } على أن الصبر إيمان لأنهما ضميمتان في الأكثر فغير مطابق لما نحن فيه إلا أن يراد وجه آخر كأنه قيل: إلا المؤمن الصالح الصابر الشاكر وهو وجه لكن القول ما قالت حذام لأن الكناية تفيد ذلك مع ما فيها من الحسن والمبالغة.

{ أُوْلَـٰئِكَ } إشارة إلى الموصول باعتبا اتصافه بما في حيز الصلة وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة أي أولئك الموصوفون بتلك الصفات الحميدة { لَهُم مَّغْفِرَةٌ } عظيمة لذنوبهم ما كانت { وَأَجْرٌ } ثواب لأعمالهم الحسنة { كَبِيرٌ } وصف بذلك لما احتوى عليه من النعيم السرمدي ورفع التكاليف والأمن من العذاب ورضا الله سبحانه عنهم والنظر إلى وجهه الكريم في جنة عرضها السماوات والأرض، ووجه تعلق الآيات الثلاث بما قبلهن على ما في «البحر» أنه تعالى لما ذكر أن عذاب الكفار وإن تأخر لا بد أن يحيق بهم ذكر ما يدل على كفرهم وكونهم مستحقين العذاب لما جبلوا عليه من كفر نعماء الله تعالى وما يترتب على إحسانه تعالى إليهم مما لا يليق بهم من البطر والفخر، قيل: وهو إشارة إلى أن الوجه تضمن الآيات تعليل الحيق ويبعده تعليله بما في حيز الصلة قبل، واختار بعضهم أنه الاشتراك في الذم فما تضمنه الآيات قبل بيان بعض هناتهم وما تضمنته هذه بيان بعض آخر.

وقال بعض المحققين: إن وجه التعلق من حيث أن إذاقة النعماء ومساس الضراء فصل من باب الابتلاء واقع موقع التفصيل من الإجمال في قوله سبحانه:

السابقالتالي
2 3 4