الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

قرأ حمزة والكسائي وخلف " ساحر " بألف ها هنا وفي أول سورة يونس، وفي هود، وفي الصف. وأفقهم ابن عامر وعاصم في يونس.

وجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه من صفة يوم القيامة كما ان ما قبله من صفتها ومن خطاب الرسل بالمسألة والتذكير بالنعمة لتوبيخ من يستحق التوبيخ من اممهم وتبشير من يستحق البشارة منهم.

العامل في { إِذ } يحتمل أحد أمرين: أحدهما - الابتداء عطفاً على قوله { يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم } قال وذلك { إذ قال } فيكون موضعه رفعاً كما يقول القائل كأنك بنا قد وردنا بلد كذا فصنعنا فيه وفعلنا اذ صاح بك صائح فاجبته وتركتني.

الثاني - اذكر اذ قال الله. وقال بعضهم ان معناه ماذا أجبتم على عهد عيسى. قال الرماني: هذا غلط، لانه من صفة (يوم القيامة) وعندي لا يمتنع أن يكون المراد بذلك اخبار النبي (صلى الله عليه وسلم) اذ قال الله لعيسى بن مريم إِذكر، أي أخبر قومك ما أنعمت به عليك وعلى أمك، واشكر ذلك اذ أيدتك بروح القدس. وروح القدس هو جبرائيل وحسن قوله { إذ قال } ولم يقل (يقول) لانه عطف على ما قبله لانه قدم ذكر الوقت. وتأييد الله هو ما قواه به وأعانه على أمور دينه، وعلى رفع ظلم اليهود والكافرين عنه. ووزن { أيدتك } فعلتك من الايد على وزن قربتك. وقال الزجاج: يجوز أن يكون فاعلتك من الايد. وقرأ مجاهد: أيدتك على وزن أفعلتك من الايد. وروح القدس جبرائيل قال الحسن والقدس هو الله.

وقوله { تكلم الناس في المهد } أي انك تكلم الناس في حال ما كنت صبياً في المهد - والمهد حجر أمه، في قول الحسن - وفي حال ما كنت كهلا. قال أبو علي فكان كلم الناس في هذين الوقتين بتبليغه إياهم ما أرسله الله به إلى عباده، وما يدعوهم اليه من طاعة الله وتصديق رسله، لانه كان بين لهم عند كلامه في المهدإني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً وجعلني مباركاً أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً } فبين لهم في هذا وفي وقت ما صار كهلا ان الله بعثه نبيا ولم يتكلم أحد من الانبياء في المهد سواه ولم يبعث أحد عندما ولد غيره، فذكره هذه النعمة التي خصه بها ليشكره على ذلك.

ونصب قوله { كهلا } يحتمل أمرين:

أحدهما - على ان يكون عطفا على موضع تكلم أي أيدتك صغيراً وكهلا.

الثاني - أن يكون عطفاً على موضع في المهد، أي وتكلمهم كهلا بالرسالة.

وقوله { وإذ علمتك الكتاب } يعني واذكر { إذ }.

السابقالتالي
2