الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً }

{ قُلْ } بعد أن بينت شأن كلماته عز شأنه { إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } لا أدعي الإحاطة بكلماته جل وعلا { يُوحَىٰ إِلَىَّ } من تلك الكلمات { أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ } وإنما تميزت عنكم بذلك، وأن المفتوحة وإن كفت بما في تأويل المصدر القائم مقام فاعل { يُوحَىٰ } والاقتصار على ما ذكر لأنه ملاك الأمر، والقصر في الموضعين بناء على القول بإفادة إنما بالكسر وإنما بالفتح الحصر من قصر الموصوف على الصفة قصر قلب والمقصور عليه في الأول { أَنَاْ } والمقصور البشرية مثل المخاطبين، وهو على ما قيل مبني على تنزيلهم لاقتراحهم عليه عليه الصلاة والسلام ما لا يكون من بشر مثلهم منزلة من يعتقد خلافه أو على تنزيلهم منزلة من ذكر لزعمهم أن الرسالة التي يدعيها صلى الله عليه وسلم مبرهنة بالبراهين الساطعة تنافي ذلك، وقيل إن المقصود بأن يقصر عليه الإيحاء إليه صلى الله عليه وسلم على معنى أنه صلى الله عليه وسلم مقصور على إيحاء ذلك إليه لا يتجاوزه إلى عدم الإيحاء كما يزعمون، والمقصور الثاني { إِلْٰهُـكُمُ } أي معبودكم الحق والمقصور عليه الوحدانية المعبر عنها بإلٰه واحد أي لا يتجاوز معبودكم بالحق تلك الصفة التي هي الوحدانية أي الوحدة في الألوهية إلى صفة أخرى كالتعدد فيها الذي تعتقدونه أيها المشركون. وعزم بعضهم أن القصر في الثاني من قصر الصفة على الموصوف قصر افراد وأن المقصور الألوهية مصدر { إِلْٰهُـكُمُ } والمقصور عليه هو الله تعالى المعبر عنه بإلٰه واحد ولا يخفى ما فيه من التكلف والعدول عما هو الأليق. ومما يوضح ما ذكرنا أنه لو قيل إنما إلهكم واحد لم يكن إلا من قصر الموصوف على الصفة فزيادة إلٰه للتوطئة للوصف بواحد والإشارة إلى أن المراد الوحدة في الألوهية تغير ذلك. وأما جعله من قصر الصفة على الموصوف قصر افراد على أن الله تعالى هو المقصور عليه والوحدانية هي المقصور فباطل قطعاً لأن قصر الصفة على الموصوف كذلك إنما يخاطب به من يعتقد اشتراك الصفة بين موصوفين كما تقرر في محله وهذا الاعتقاد لا يتصور هنا من عاقل لبداهة استحالة اشتراك موصوفين في الوحدانية أي الوحدة في الألوهية وما يوهم إرادة هذا القصر من كلام الزمخشري في نظير هذه الآية مؤول كما لا يخفى على المنصف، وجوز أن يكون من قصر التعيين وليس بذاك فتأمل جميع ذلك والله تعالى يتولى هداك.

{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ } الرجاء طمع حصول ما فيه مسرة في المستقبل ويستعمل بمعنى الخوف وأنشدوا:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها   وحالفها في بيت نوب عوامل
ولقاء الرب سبحانه هنا قيل مثل للوصول إلى العاقبة من تلقي ملك الموت والبعث والحساب والجزاء مثلت تلك الحال بحال عبد قدم على سيده بعد عهد طويل وقد اطلع مولاه على ما كان يأتي ويذر فأما أن يلقاه ببشر وترحيب لما رضي من أفعاله أو بضد ذلك لما سخطه منها فالمعنى على هذا، وحمل الرجاء على المعنى الأول من كان يأمل تلك الحال وأن يلقى فيها الكرامة من ربه تعالى والبشرى { فَلْيَعْمَلْ } لتحصيل ذلك والفوز به { عَمَلاً صَـٰلِحاً } وقيل هو كناية عن البعث وما يتبعه والكلام على حذف مضاف أي من كان يؤمل حسن البعث فليعمل الخ، وقيل لا حذف، والمراد من توقع البعث فليعمل صالحاً أي أن ذلك العمل مطلوب ممن يتوقع البعث فكيف من يتحققه، وقيل: اللقاء على حقيقته والكلام على حذف مضاف / أيضاً أي من كان يؤمل لقاء ثواب ربه فليعمل الخ، وقيل المراد منه رؤيته سبحانه أي من كان يؤمل رؤيته تعالى يوم القيامة وهو راض عنه فليعمل الخ، وجوز أن يكون الرجاء بمعنى الخوف على معنى من خاف سوء لقاء ربه أو خاف لقاء جزائه تعالى فليعمل الخ، وتفسير الرجال بالطمع أولى، وكذا كون المرجو الكرامة والبشرى، وعلى هذا فإدخال الماضي على المستقبل للدلالة على أن اللائق بحال العبد الاستمرار والاستدامة على رجاء الكرامة من ربه فكأنه قيل فمن استمر علم رجاء كرامته تعالى فليعمل عملاً صالحاً في نفسه لائقاً بذلك المرجو كما فعله الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

السابقالتالي
2 3 4 5