الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }

{ لَيْسُواْ سَوَآءً } جملة مستأنفة سيقت تمهيداً للثناء على من أقبل على الحق من أهل الكتاب وخلع الباطل ولم يراع سلفاً ولا خلفاً، وتذكيراً لقوله تعالى:مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران: 110] أي: ليس أهل الكتاب متساوين ومتشاركين في المساوئ، ثم استأنف قوله بياناً لعدم استوائهم: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }.

في قوله تعالى: { قَآئِمَةٌ } وجوه:

الأول: أنها قائمة في الصلاة، وعبّر عن تهجدهم بتلاوة القرآن في ساعات الليل كقوله تعالى:وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } [الفرقان: 64]. وقوله:إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيْلِ } [المزمل: 20]. وقوله:قُمِ ٱلَّيلَ } [المزمل: 2]. وقوله:وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ } [البقرة: 238].

والثاني: أنها ثابتة على التمسك بالدين الحق، ملازمة له، غير مضطربة في التمسك به، كقوله:إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً } [آل عمران: 75] أي: ملازماً للاقتضاء ثابتا على المطالبة. ومنه قوله تعالى:قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ } [آل عمران: 18].

الثالث: أنها مستقيمة عادلة من قولك: أقمت العود فقام، بمعنى استقام. والآناء الأوقات، واحدها (إنا) مثل معي وأمعاء وإنْي مثل نِحْي وأنحاء وقوله تعالى: { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } جملة مستقلة مستأنفة، ولست حالاً من فاعل { يَتْلُونَ } لما صح في السنة من النهي عن التلاوة في السجود، وذلك فيما رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إلا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم " فمعنى الآية أنهم يقومون تارة ويسجدون أخرى، يبتغون الفضل والرحمة كقوله تعالى:وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً } [الفرقان: 64]. وقوله:أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } [الزمر: 9]. ويحتمل أن يكون المعنى: وهم يصلون، والصلاة تسمى سجوداً وسجدة كما تسمى ركوعا وركعة وتسبيحاً وتسبيحة. وعليه فالجملة يجوز فيها الوجهان، وتكرير الإسناد لتقوية الحكم وتأكيده.

ثم وصفهم تعالى بصفات أخر، مبينة لمباينتهم اليهود من جهة أخرى، بقوله:

{ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ... }.