الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }

قوله عزّ وَجَلَّ: { لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ }؛ قال ابنُ عبَّاس ومقاتلُ: (لَمَّا أسْلَمَ عَبْدُاللهِ ابْنُ سَلاَمٍ؛ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعَيْةَ؛ وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ؛ وأسَدُ بْنُ عُبيدٍ وَمَنْ أسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ؛ قَالَتْ أحْبَارُ الْيَهُودِ: مَا آمَنَ بُمحَمَّدٍ إلاَّ أشْرَارُنَا، لَوْ كَانُواْ مِنْ أخْيَارنَا مَا تَرَكُواْ دِيْنَ آبَائِهِمْ، ثُمَّ قَالُواْ لَهُمْ: قَدْ خَسِرْتُمْ حِيْنَ اسْتَبدَلْتُمْ دِيْنَكُمْ بدِيْنٍ غَيْرِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ).

وقيل: لَمَّا ذكرَ اللهُ في الآياتِ المتقدِّمة مَن آمَنَ مِن أهلِ الكتاب، ومَن لَمْ يُؤْمِنْ. قال عَزَّ وَجَلَّ: { لَيْسُواْ سَوَآءً } أي ليسَ الفريقانِ سواءً، وهذا وَقْفٌ تَامٌّ، ثم استأنفَ قولَهُ تعالى: { مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } أي عادلةٌ مستقيمةٌ مهتديةٌ. وقال الأخفشُ: (ذُو أمَّةٍ قَائِمَةٍ؛ أيْ ذِي طَرِيْقَةٍ قَائِمَةٍ)، قال: (وَالأُمَّةُ الطَّرِيْقَةُ).

ومعنى قولهِ: { يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ } يعني يَقْرَأونَ القرآنَ في ساعاتِ اللَّيْلِ، { وَهُمْ يَسْجُدُونَ } أي وهُمْ يُصَلُّونَ؛ لأنَّ القرآنَ لا يكونُ في السجودِ، نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:وَلَهُ يَسْجُدُونَ } [الأعراف: 206] أي يُصَلُّونَ، وقَوْلُهُ تَعَالَى:وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ } [الفرقان: 60] أي صَلُّواْ. وإنَّما ذُكرت الصلواتُ باسمِ السجودِ، لأن السجودَ نِهايةُ ما فيها من التواضُعِ. قال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: (أرَادَ بهِ صَلاَةَ العَتْمَةِ). وقيل: أرادَ به ما بينَ المغرب والعشاءِ. واختلفَ النُّحاة في واحدِ الأنَا؛ قال بعضهُم: أنَاءُ مِثْلُ مَعَاءُ وَأمْعَاء. وقال بعضهُم: إنِّي مثل نَحَى وأنْحَى.

وقال بعضُ المفسِّرين: في الآيةِ اختصارٌ وحَذْفٌ؛ تقديرهُ: مِن أهلِ الكتاب أمةٌ قائمةٌ وأخرَى غيرُ قائمةٍ، وتركَ الأخرى اكتفاءً بذكرِ أحدِ الفريقين؛ قالوا: وهذا فعلٌ مجموع مقدَّمٌ كقولِهم: أكَلُونِي الْبَرَاغِيْثُ، وَذهَبُوا أصْحَابُكَ. وقال آخرونَ: تَمامُ الكلامِ عند قولِه { لَيْسُوا سَوَاءً } يعني المؤمنينَ والفاسقينَ؛ لأن ذِكر الفريقين قد جرَى في قولِه:مِّنْهُمُ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } [آل عمران: 110]. ثم وَصَفَ الفاسقينَ فقال:لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى } [آل عمران: 111]، ووصفَ المؤمنين فقالَ { أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ } الآيةُ.