الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

قوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } دلّ على كمال قدرته وأنه يقدر على البعث والمحاسبة. ولا خلاف في السموات أنها سبع بعضها فوق بعض دلّ على ذلك حديثُ الإسراء وغيره. ثم قال: { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } يعني سبعاً. واختلف فيهنّ على قولين: أحدهما ـ وهو قول الجمهور ـ أنها سبع أرضين طباقاً بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة كما بين السماء والسماء، وفي كل أرض سكان من خلق الله. وقال الضحاك: { وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } أي سبعاً من الأرضين، ولكنها مطبقة بعضها على بعض من غير فتوق بخلاف السموات. والأوّل أصحّ لأن الأخبار دالّة عليه في الترمذي والنسائيّ وغيرهما. وقد مضى ذلك مبَيّناً في «البقرة». وقد خرّج أبو نعيم قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن حُبيش قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق السراج، ح وحدّثنا أبو محمد بن حبان قال: حدّثنا عبد الله بن محمد بن ناجية قال: حدّثنا سُويد بن سعيد قال حدّثنا حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه أن كعباً حلف له بالذي فلق البحر لموسى: أن صُهَيْباً حدّثه " أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها:«اللَّهُمّ رَبَّ السموات السبع وما أظْلَلْنَ ورَبَّ الأرَضِين السبع وما أقْلَلْنَ ورَبَّ الشياطين وما أضْلَلْنَ ورب الرياح وما أذْرَيْنَ إنا نسألك خيرَ هذه القرية وخير أهلها ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها» " قال أبو نعيم: هذا حديث ثابت من حديث موسى بن عقبة تفرّد به عن عطاء. روى عنه ابن أبي الزناد وغيرُه. وفي صحيح مسلم عن سعيد بن زيد قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: " من أخذ شِبرا من الأرض ظلما فإنه يُطَوَّقه يوم القيامة من سبع أرضِين " ومثله حديث عائشة، وأبين منهما حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يأخذ أحدٌ شبراً من الأرض بغير حقّه إلا طوّقه الله إلى سبع أرضين يوم القيامة " قال الماوردِيّ: وعلى أنها سبع أرضين بعضها فوق بعض تختص دعوة أهل الإسلام بأهل الأرض العليا، ولا تلزم من في غيرها من الأرضين وإن كان فيها من يعقل من خلق مميّز. وفي مشاهدتهم السماء واستمدادهم الضوء منها قولان: أحدهما ـ أنهم يشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم ويستمدون الضياء منها. وهذا قول من جعل الأرض مبسوطة. والقول الثاني ـ أنهم لا يشاهدون السماء، وأن الله تعالى خلق لهم ضياء يستمدّونه. وهذا قول من جعل الأرض كالكُرَة.

السابقالتالي
2