قوله تعالى: { مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً }: " منهم " يجوز أن يتعلق بـ " بَعَثْنا " وأَنْ يتعلَّق بمحذوفٍ على أنه حال مِنْ " اثني عشر " لأنه في الأصلِ صفةُ له، فلما قُدُّمِ نُصِب حالاً. وقد تقدَّم الكلامُ في تركيب " اثني عشر " وبنائه وحَذْفِ نونِه في البقرة فَأَغْنى عن إعادته. و " ميثاق " يجوزُ أَنْ يكونَ مضافاً إلى المفعول - وهو الظاهر - أي: إن الله تعالى واثَقَهم، وأَنْ يكونَ مضافاً لفاعله: أي: إنهم واثقوه تعالى. والمفاعلة يجوز نسبةُ الفعلِ فيها إلى كلِّ من المذكورَيْنِ. والنقيب: فعيل، قيل: بمعنى فاعِل مشتقاً من النَّقْب وهو التفتيس، ومنه:{ فَنَقَّبُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ } [ق: 36] وسُمِّي بذلك لأنه يفتشُ عن أحوالِ القوم وأسرارهم. وقيل: هو بمعنى مفعول، كأن القوم اختاره على علمٍ منهم تفتيشٍ على أحواله. وقيل: هو للمبالغةِ كعليم وخبير. قوله: { لَئِنْ أَقَمْتُمُ } هذه اللامُ هي الموطئة للقسم، والقسم معها محذوفٌ، وقد تقدَّم أنه إذا اجتمع شرطٌ وقسمٌ أجيب سابقهما، إلا أن يتقدَّم ذو خبرٍ فيُجاب الشرطُ مطلقاً. وقوله: { لأُكَفِّرَنَّ } هذه اللام هي جوابُ القسم لسبقه، وجوابُ الشرط محذوفٌ / لدلالة جواب القسم عليه، وهذا معنى قول الزمخشري أنَّ قوله " لأكفرنَّ " سادٌّ مسد جوابي القسم والشرط، لا كما فهمه بعضُهم، وردَّ عليه ذلك. ويجوز أن يكون " لأكفرن " جواباً لقوله تعالى قبل ذلك: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } لِما تَضَمَّنه الميثاقُ من معنى القسم، وعلى هذا فتكون الجملتان - أعني قوله: " وبعثنا " " وقال الله " - فيهما وجهان،أحدهما: أنهما في محلِّ نصبٍ على الحال، والثاني: أن تكونا جملتي اعتراض، والظاهرُ أنَّ قوله: { لَئِنْ أَقَمْتُمُ } جوابُه: " لأكفرنَّ " كم تقدم، وجملةُ هذا القسمِ المشروطِ وجوابُه مفسرةٌ لذلك الميثاق المتقدم. والتعزير: التعظيم، قال:
1710- وكم من ماجدٍ لهُمُ كريمٍ
ومِنْ لَيْثٍ يُعَزَّرُ في النَّدِيِّ
وقيل: هو الثناء بخير، قال يونس، وهو قريب من الأول. وقيل: هو الردُّ عن الظلم قاله الفراء. وقال الزجاج: " هو الردع والمنع " فعلى القولين الأولين يكون المعنى: " وعَظَّمْتُموهم وأثنيتم عليهم خيراً " وعلى الثالث والرابع يكون المعنى: " وردَدْتم وردَعْتم سفهاءَهم عنهم. قال الزجاج: " عزرت فلاناً ": فَعَلْتُ به ما يردعه عن القبيح، مثل نَكَّلت، فعلى هذا يكون " عَزَّرْتُموهم " رَدّدْتم عنهم اعداءهم " وقرأ الحسن البصري: " برسْلي " بسكون العين حيث وقع. وقرأ الجحدري: " وعَزَرْتموهم " خيفيفةَ الزاي وهي لغة. وقرأ في الفتح: " وتَعْزُوروه " بفتح حرف المضارعة وسكون العين وضم الزاي، وهي موافقة لقراءته هنا. وقوله: { وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً } تقدَّم الكلام في " قَرْضا " وفي نصبه في البقرة.