الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَمِنَ ٱلأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ ٱلأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِّتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً }

يقول الحق جلّ جلاله: { اللهُ الذي خلق سبعَ سموات }: مبتدأ وخبر، وقد أجمع المفسرون أنَّ السموات سبع، { ومن الأرض مثلَهن } ، وليس في القرآن آية تدل على أنَّ الأرضين سبع غير هذه الآية، وبين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام، وغلظ كلّ سماءٍ كلذلك، والأرضون مثل السموات، والجمهور أنها طباق، بعضها فوق بعض، بين كل أرض وأرض مسافة، كما بين السماء والأرض، وفي كل أرض سُكَّان مِن خلق الله تعالى، قيل: الجن، وقيل: الملائكة، وقال الضحاك: مطبقة بعضها فوق بعض، من غير فتوق، بخلاف السموات. قال القرطبي: والأول هو الأصح لأنَّ الأخبار دالة عليه، كما ورد في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا رأى قرية أو مدينة: " اللهم رب السموات السبع، وما أظللن، ورب الأرضين السبع، وما أقللن... " الحديث. وفي الحديث أيضاً: " مَن غصب شبراً من أرض طوّقه الله له من سَبْع أرَضِين " هـ. واختلف: هل يرون السماء، ويستمدًّون منها الضوء، قولان، أحدهما: إنهم يُشاهدون السماء من كل جانب من أرضهم، ويستمدُّون الضياء منها، والثاني: أنهم لا يُشاهدون السماء، وأنَّ الله تعالى خلق لهم ضياء يشاهدونه. وعن ابن عباس أيضاً: " إنها سبع أرضين متفرقة بالبحار وتظل الجميع السماء ". وقيل: الأرض واحدة إلاَّ أنَّ الأقاليم سبعة، فالمثلية على هذا في عِظم الجرم، وكثرة العمار، وغير ذلك. والأول أرجح لِما تقدّم. وقد ذكر المنذري حديثاً بيَّن فيه ما يعمرُ أرض، فبعضها فيها حجارة الكبريت وقوم جهنم، وبعضها فيها خزائن الريح، وفي أسفلها عرش إبليس، فانظره. { يَتَنزَّلُ الأمرُ بينهن } أي: يجري أمره وقضاؤه بينهن، وينفذ حكمُه فيهن. وعن قتادة: في كل سماءٍ وفي كل أرضٍ خلقٌ مِن خلقه، وأمرٌ نافذ من أمره، وقضاء من قضائه. وقيل: هو ما يدبّر فيه من عجائب تدبيره، من إنزال المطر، وإنبات النبات، والإتيان بالليل والنهار، والصيف والشتاء، وخلق الحيوانات المختلفة. وقال الغزالي: يتنزّل الأمر بالقدر من حضرة الربوبية إلى حملة العرش، ثم تتلقى ملائكة السموات ذلك منهم، ثم تصريفهم بذلك إلى أهل الأرض، وإجرائهم على مقتضاه. وقيل: يتنزّل الأمر بالوحي من السماء السابعة إلى الأرض السفلى، وهل لكل أرض رسول، أم لا؟ الله أعلم. { لتعلموا أنَّ اللهَ على كل شيءٍ قديرٌ } أي: فعل ذلك لتعلموا عموم قدرته، { وأنَّ اللهَ قد أحاط بكل شيءٍ علماً } لاستحالة صدور هذه الأفاعيل المذكورة ممن ليس كذلك. ويجوز أن يكون العامل في اللام بيان ما ذكر من الخلق وتنزُّل الأمر، أي: أوضَحَ ذلك بيّنه لتعلموا بما ذكر من الأمور التي تُشاهدونها، والتي تتلقونها من الوحي، وعجائب المصنوعات، أنه لا يخرج عن قدرته وعلمه شيء أصلاً.

السابقالتالي
2