الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }

جزاء " لو " محذوف، وهو مثل " لرأيت أمراً فظيعاً " إن كانت امتناعية كما عليه الأكثرون، والخطاب حينئذٍ إما للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم)، أو لكل أحد، كما يقال: " فلان لئيم إنْ أكرمتَهُ أهانك " مِن غير أن يقصد مخاطب مخصوص.

" ولو " " وإذ " وان كانتا للمضي، إلاَّ أنه ساغ وشاع استعمالها في كلام الله للترقب، لأنه بمنزلة المتحقق الوقوع.

وفيه سر آخر. ويحتمل أن يراد به التمني، ونسبة التمني ها هنا للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) كنسبة الترجي له في قوله تعالى:لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } [الأنبياء:31] لتجرعه منهم كاسات الغَصَص لأجل تكذيبهم إيّاه وعداوتهم وضرارهم، فجعل الله له تمني أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من انتكاس رؤوسهم وحزنهم وغمهم وتأسفهم، ليشمت بهم.

هذا ما في الكشّاف. وفيه: أن هذا لا يلائم كونه (صلّى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين، وجلالة قدره أرفع من الشماتة والانتقام للتشفي لسَوْرَة الغضب، لأن هذا من انفعالات القوى الجرمانية المتعلقة بالمواد، وله مقام العِندية إلى فوق كل غرض جزئي وجراحة قلبية، سيما وسياق الآية يدل على كون المجرمين ممن لهم شائبة نور الإيمان، إذ لو سقطوا بالكلية عن نور الفطرة واحتجبوا رأساً، وانطمست نفوسهم لغلبة الكفر، وزالت أنوارهم العقلية بالرَّيْن، وانغلقت أبواب المغفرة في حقهم، لم يقولوا: " أبصَرْنا وسمعنا " ، ولم يتمنَوا الرجوع لأن يعملوا العمل الصالح، ولم يكونوا موقنين، فهؤلاء وإن احتجبوا عن لقاء الله بسبب شدة ميلهم إلى الجهة السفلية، وانتكاس رؤوسهم إلى الجرميات والظلمات، لكنهم لبقاء الاعتماد بالمبدأ والمعاد، ومرتبة الرسالة الحاصلة لخير العباد، وتمنّيهم الرجوع للعمل الصالح، لا يخلدون في العقاب، كما توهمه المعتزلة كالزمخشري وأترابه، بل يعذّبون حيناً بحسب رسوخ الهيآت، ثم يرجعون إلى الفطرة - كما عليه أكثر الأمة وأصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم -، وشأن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعادته بالقياس إلى مثل هؤلاء ومن هو أبعد منهم عن الحق، ما أفصلح الله عنه بقوله:أَمَّا مَنِ ٱسْتَغْنَىٰ * فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ } [عبس:5 - 6]. وقوله:فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً } [الكهف:6].

أثر تَبَصُّري

فإن قلت: إن هذا الانكشاف ربما يحصل للمجرمين بعد الموت عند مشاهدة الأحوال ومعاينة الأهوال، فيعلمون بصدق الوعد والوعيد، ويصدّقون خبر الرسالة.

قلت: هذا القدر من الإيقان لا يحصل للكفّار المطموسة أبصارهم وأسماعهم بالكلية، المحتجبة نفوسهم بالرَّين والظلمة الدائمة، لقوله تعالى:وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلاً } [الإسراء:72]، فبحكم عكس النقيض: كل من كان في الآخرة بصيراً سميعاً، فله في الدنيا شيء من نور البصيرة الإيمانية، وان كان في غاية الضعف والقصور والآفة والمرض والعَمَش والسبل، لا العمى والكَمَه.

السابقالتالي
2