الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

لما ذكر تعالى في الآيَة الأولَى؛ أنَّ المُشْرِكين يُجَادِلُون المُؤمنين في دين الله - تعالى - ذكر مثلاً يدُلُّ على حَالِ المُؤمِن المهْتَدي، وعلى حَالِ الكَافرِ الضال فبَيَّن أن المؤمن بِمَنْزِلة مَنْ كَانَ مَيْتاً؛ فَجُعِل حَيّاً بعد ذلك، وأعْطِي نُوراً يَهْتَدِي به في مَصَالِحِه، وأنَّ الكَافِر بمنْزِلَة المُنْغَمِس في ظُلُمَاتٍ لا خَلاصَ له مِنْهَا، فيكون مُتَحَيِّراً دائماً.

قوله: { أو مَنْ كَانَ } تقدَّم أن الهَمْزَة يَجُوز أن تكُون مقدَّمة على حرف العطْفِ، وهو رَأي الجُمْهُور، وأن تكُون على حَالِها وبَيْنها وبيْن فِعْل مُضْمَر، و " مَنْ " في محلِّ رفع بالابتداء، و " كمَنْ " خَبَرْهُ، وهي مَوْصُولة، و " يمشي " في محلِّ نَصْب صِفَة لـ " نُوراً ".

قال قتادة: أراد بـ " النور ": كِتَاب اللَّه - تعالى - بيّنه مع المُؤمن، بها يعمل، وبها يَأخُذ، وإليها يَنْتَهِي، و " مَثَلُه " مُبْتَدأ و " فِي الظُّلُمات ": خَبَرُه، والجُمْلَةُ صِلَةُ " مَنْ " و " مَنْ " مَجْرورَة بالكَافِ, والكَفُ وَمَجْرُورُها كما تقدَّم في محلِّ رفعٍ خبراً لـ " مَنْ " الأولى و " ليس بِخَارج " في محلِّ نَصْبٍ على الحَالِ من الموصُول، أي: " مِثْل الَّذي اسْتَقَرَّ في الظُّلُمات حالً كَوْنه مُقِيماً فيها ".

وقال أبُو البقاء: " لَيْس بِخَارج في مَوْضِع الحَالِ من الضَّمِير في " منْها " ولا يَجُوز أن يكُون حالاً من الهَاءِ في " مَثَلُه " للفَصْل بَيْنَه وبيْن الحَال بالخبر ".

وجعل مَكِّي الجُمْلَة حالاً من الضَّمِير المُسْتَكِنِّ في " الظُّلُمات " وقرأ طَلْحَة بن مُصْرِّف: " أفَمَنْ كَانَ " بالفَاءِ بدل الواو.

فصل في المراد بالآية

اخْتَلَفُوا في هذه الآية الكَرِيمة على قَوْلَيْن:

أحدهما: أنَّها نزلت في رَجُلَيْن بأعْيَانِهِمَا.

قال ابْن عبَّاس - رضي الله عنهما -: { جَعَلْنَا لَهُ نُوراً } يريد: حَمْزة بن عَبْد المُطَّلِب، { كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ } يريد: أبا جَهْل بْن هِشَام، وذلك أنَّ أبا جَهْل رَمَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بفَرْثٍ، فأخْبِر حمزة بما فعل أبُو جَهْل وهو رَاجِعٌ من قُدومِهِ من صَيْدٍ، وبِيَده قَوْس وحَمْزة لَمْ يؤمن بعد، فأقبل غضْباناً حتى علا أبَا جَهْلٍ بالقَوْس، وهو يَتَضَرَّع إلَيْه، ويَقُول: أبا يَعْلى، أما ترى ما جَاءَ به، سَفَّه عُقُولنا، وسَبَّ آلهتنا، وخالف آباءنا، فقال حَمْزَة: ومن أسْفَه مِنْكُم، تَعْبُدون الحِجَارة من دُونِ اللَّه؛ أشْهَدُ ألاّ إله إلاَّ الله وأشْهَد أنَّ محمَّداً عَبْده ورَسُوله، فأنْزَل اللَّه الآية.

وقال الضَّحَّاك: نَزَلَت في عُمر بن الخَطَّاب، وأبي جَهْل.

وقال عِكْرِمَة، والكلبي: نزلت في عمَّار بن يَاسِر، وأبي جَهْل.

السابقالتالي
2