الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

{ أوَ مَن كانَ مَيْتاً } شبيهاً بميت فى عدم الانتفاع لنفسه، وعدم تخليص نفسه من المهالك، وذلك مخلو قلبه عما هو كالحياة وهو الإيمان، وتشديد الباء قراءة نافع ويعقوب، وقرأ غيرهما بإسكانها { فأحْييْناه } أزلنا ما فى قلبه من الشرك الشبيه بالموت بالتوفيق للإيمان { وجَعَلنا لهُ نوراً } دلائل وبراهين توصله إلى الإيمان شبهية بالنور الذى يهتدى به إلى المطالب { يمْشِى بهِ فى النَّاسِ } يميز به أعنى بذلك النور بين الضلال والرشاد تميزا شبيهاً بمشى من يمشى فى الناس ذاهباً وراجعاً بينهم فى مصالحه. { كَمن مثلُه فى الظُّلمات } أى صفته الغريبة الشبيهة بالمثل فى الغرابة فى الظلمات مثله مبتدأ، وفى الظلمات خبره، وكمن خبر من الأولى، والهمزة مما بعد الواو أو داخلة على محذوف، ومعنى كون صفته فى الظلمات أنه مغمور بالظلمات غارق فيها، لا يجد طريقاً ولا يتيسر له التصرف فى مصالحه، والخروج عن المضار، وذلك هو إشراكه ومعاصيه الشبيهة بذلك، ويجوز فإنه بهاء بإشراكه لا ينجو من الشر ولا يفوز بالخير، ومن أجاز زيادة الأسماء قال مثل مفخم، والأصل كمن هو فى الظلمات. { لَيسَ بخَارجٍ منْها } الجملة حال من المستتر فى قوله { فى الظلمات } حال كونه مقيماً فيها لا يفارقها، أى ليس بخارج من الظلمات، أى من الضلالات، وليست الجملة حالا من هاء مثله، ولو كان المضاف كجزء المضاف إليه هنا للفصل بالخبر، ومجموع قوله { من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به فى الناس } استعارة مركبة كما رأيت بيان إفرادها ولا يشكل معى ذلك ذكر أداة التشبيه فى قوله { كمن مثله فى الظلمات } لأن هذا لفظ آخر خارج عن تلك الاستعارة. وقيل النور نور يوم القيامة الذى أمام المؤمن والظلمات ظلمات يوم القيامة أمام الكافر، وقال قتادة النور القرآن، والظلمات الجهل، وعلى كل حال المراد لتمثيل المؤمن والكافر عموماً، وهو ظاهر متبادر، وبه قال الحسن وغيره، وعن ابن عباس { من كان ميتاً فأحييناه } حمزة عم النبى صلى الله عليه وسلم { ومن مثله فى الظلمات } أبو جهل لعنه الله، رجع حمزة رضى الله عنه من الصيد، ودخل المسجد ليطوف وكانت عادته إذا رجع منه أن يطوف قيل أن يدخل بيته، فأخبر بسبّ أبى جهل لعنه الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه غضبان يضربه بقوسه، فجعل أبو جهل يتضرع ويقول يا أبا يعلى ألا ترى ما جاء به سفَّه عقولنا، وسب آلهتنا، وخالف آباءنا، فقال حمزة ومن أسفه منكم عقولا، تعبدون الحجارة من دون الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فحينئذ أسلم حمزة فنزلت سورة الأنعام جملة وفيها هذه الآية فى شأنه، وهذا الإيضاح منى.

السابقالتالي
2 3