الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

{ وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي أنه سبحانه يعلم كل ما غاب في السماوات والأرض ولا يعلم ذلك أحد سواه جل وعلا { وَإِلَيْهِ } لا إلى غيره عز شأنه { يُرْجَعُ ٱلاْمْرُ } أي الشأن { كُلُّهُ } فيرجع لا محالة أمرك وأمرهم إليه. وقرأ أكثر السبعة { يُرْجَعُ } بالبناء للفاعل من رجع رجوعاً { فَٱعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } فانه سبحانه كافيك، والفاء لترتيب الأمر بالعبادة والتوكل على كون مرجع / الأمور كلها إليه، وقيل: على ذلك، وكونه تعالى عالماً بكل غيب أيضاً، وفي تأخير الأمر بالتوكل عن الأمر بالعبادة تنبيه على أن التوكل لا ينفع دونها وذلك لاْن تقدمه في الذكر يشعر بتقدمه في الرتبة أو الوقوع. وقيل: التقديم والتأخير لأن المراد من العبادة امتثال سائر الأوامر من الإرشاد والتبليغ وغير ذلك؛ ومن التوكل التوكل فيه كأنه قيل: امتثل ما أمرت به وداوم على الدعوة والتبليغ وتوكل عليه في ذلك ولا تبال بالذين لا يؤمنون ولا يضق صدرك منهم.

{ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بتاء الخطاب على تغليب المخاطب، وبذلك قرأ نافع وأبو عامر وحفص وقتادة والأعرج وشيبة وأبو جعفر والجحدري أي وما ربك بغافل عما تعمل أنت وما يعملون هم فيجازي كلا منك ومنهم بموجب الاستحقاق، وقرأ الباقون من السبعة بالياء على الغيبة وذلك ظاهر، هذا وفي «زوائد الزهد» لعبد الله بن أحمد بن حنبل و«فضائل القرآن» لابن الضريس عن كعب أن فاتحة التوراة فاتحة الأنعام وخاتمتها خاتمة هود { وَللَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } إلى آخر السورة، والله تعالى أعلم.

ومن باب الإشارة في الآيات: { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ } كامل الشقاوة { و } منهمسعيد } [هود: 105] كامل السعادةفَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ } [هود: 106] أي نار الحرمان عن المراد وآلام ما اكتسبوه من الآثام وهو عذاب النفس { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبَّكَ } فيخرجون من ذلك إلى ما هو أشد منه من نيران القلب وذلك بالسخط والاذلال ونيران الروح وذلك بالحجب واللعن والقهرإِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لّمَا يُرِيدُ } [هود: 107] لا حجر عليه سبحانه { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ } أي جنة حصول المرادات واللذات وهي جنة النفسخَـٰلِدِينَ فِيهَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآء رَبُّكَ } [هود: 108] فيخرجون من ذلك إلى ما هو أعلى وأعلى من جنات القلب في مقام تجليات الصفات وجنات الروح في مقام الشهود وهناك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقد يحمل التنوين على النوعية ويؤول الاستثناء بخروج الشقي من النار بالترقي من مقامه إلى الجنة بزكاء نفسه عما حال بينه وبينها { فَٱسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ } أي في القيام بحقوق الحق والخلق وذلك بالمحافظة على حقوقه تعالى والتعظيم لأمره والتسديد لخلقه مع شهود الكثرة في الوحدة والوحدة في الكثرة من غير إخلال ما بشرط من شرائط التعظيم { وَمَن تَابَ } عن إنيته وذنب وجوده { معك } من المؤمنين الموحدين إلى مقام البقاء بعد الفناء، وقيل: إن الاستقامة المأمور بها صلى الله عليه وسلم فوق الاستقامة المأمور بها من معه عليه الصلاة والسلام والعطف لا يقتضي أكثر من المشاركة في مطلق الفعل كما يرشد إليه قوله تعالى مطلق الفعل كما يرشد إليه قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3