الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }

{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ } أي: ويسألونك الإفتاء في النساء، والإفتاء تبيين المبهم، { قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ } ذكروا في (ما) وجوهاً: المختار منها أنها في موضع رفع بالعطف على المبتدأ، وهو لفظ الجلالة، أي: والمتلوّ في الكتاب يفتيكم فيهن أيضاً، أو بالعطف على ضميره في { يُفْتِيكُمْ } وساغ، لمكان الفصل بالمفعول والجارّ والمجرور، وذلك المتلوّ في الكتاب هو قوله تعالى:وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } [النساء: 3] قال الرازيّ: وحاصل الكلام أنهم كانوا قد سألوا عن أحوال كثيرة من أحوال النساء، فما كان منها غير مبين الحكم، ذكر أن الله يفتيهم فيها، وما كان منها مبين الحكم في الآيات المتقدمة، ذكر أن تلك الآيات المتلوّة تفتيهم فيها، وجعل دلالة الكتاب على هذا الحكم إفتاء من الكتاب، ألا ترى أنه يقال في المشهور: إن كتاب الله بيّن لنا هذا الحكم، وكما جاز هذا، جاز أيضاً أن يقال: إن كتاب الله أفتى بكذا. قال أبو السعود: وإيثار صيغة المضارع للإيذان باستمرار التلاوة ودوامها، و { فِي ٱلْكِتَٰبِ } إما متعلق بـ { يُتْلَىٰ } أو بمحذوف وقع حالاً من المستكنّ فيه، أي: يتلى كائنا فيه { فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ } متعلق بـ { يُتْلَىٰ } أي: ما يتلى عليكم في شأنهن، وهذه الإضافة بمعنى (من) لأنها إضافة الشيء إلى جنسه، وقيل: من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: النساء اليتامى { ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ } أي: ما وجب لهن من الميراث وغيره { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت، في هذه الآية: هو الرجل تكون عنده اليتيمة، هو وليّها ووارثها، فأشركته في ماله حتى في العذق، فيرغب أن ينكحها ويكره أن يزوجها رجلاً، فيشركه في ماله بما شركته فيعضلها. فنزلت هذه الآية. وعنها أيضاً قالت: وقول الله عز وجل: { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره، حين تكون قليلة المال والجمال، فنهوا أن ينكحوا ما رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من، أجل رغبتهم عنهن. وهذا المرويّ عن عائشة يدل على أن الآية نزلت في المعدمة، وأن الجار المقدّر مع (أن) هنا هو (عن)، وقد تأولها سعيد بن جبير على المعنيين، أي: تقدير (عن) و (في) فقال نزلت في المعدمة والغنية.

قال الحافظ ابن حجر: والمرويّ عن عائشة أوضح، في أن الآية الأولى، أي: التي في أول السورة، نزلت في الغنية، وهذه الآية نزلت في المعدمة. قال ابن كثير: والمقصود أن الرجل إذا كان في حجره يتيمة يحل له تزوجها، فتارة يرغب في أن يتزوجها، فأمره الله أن يمهرها، أسوة أمثالها من النساء، فإن لم يفعل فليعدل إلى غيرها من النساء، فقد وسع الله عز وجل.

السابقالتالي
2 3 4