الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ رَبَّنَا وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

{ ربَّنا } نداء ثان مؤكد للنداء فى قولهماربنا تقبل منا } أو نداء عائد إلى قولهما { إنك أنت } أى إنك أنت يا ربنا السميع العليم، أو إنك يا ربنا أنت السميع العليم مضاف إلى محذوف وقع العطف عليه فى قوله { واجْعلنَا مُسْلمَين لَكَ } أى يا ربنا أجب لنا واجعلنا مسلمين لك أى منقادين لأمرك ونهيك، أو مخلصين لك. ومن أسلم وجهه أو أخلصه، أو مؤمنين عاملين لك عملا صالحا، وذلك كله حاصل فيهما قبل هذا الدعاء، ولكن أراد الدعاء بزيادة فى ذلك أو بالثبات عليه. وقرئ مسلمين بكسر الميم وإسكان الميم إسكانا ميتاً وفتح النون وله أوجه أحدها أن يكون من استعمال صيغة الجميع فى الاثنين، ونكتته أنه يخرج منهما إتباعا لهما على الخير والثانى أن يكون أراد الدعاء بالجعل مسلما أنفسهما ومن يؤمن من ذريتهما، والثالث أن يريدا نفسيهما وهاجر. وهى زوج إبراهيم أم إسماعيل عليه السلام. { ومِنْ ذُريَّتنا أمةً مُسلمةً لَكَ } من ذريتنا معطوف على مسلمين، وأمة معطوقة على نا من قوله { واجعلنا } كأنه قيل واجعل أمة مسلمة لك من ذريتنا، ومن للتبعيض كأمثاله السابقة، وخصا البعض لعلمهما أن فى ذريتهما ظلمة، كما أوحى الله عز وجل إلى إبراهيملا ينال عهدى الظالمين } ومن كفر فأمتعه } ولعلمهما أن الخدمة الإلهية لا تقتضى الاتفاق على الإيمان والإخلاص والإقبال الكلى إلى الله، فإن كثيراً من أمر المعاش أو كثيره يأتى بواسطة السفهاء حتى الدين، فإنه قد يعز بالسفهاء، روى عنه، صلى الله عليه وسم " يؤيد الله هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم وفى أثر ذلك قوم قلت سفهاءهم " ويقال لولا الحمقاء لخربت الديار، وخصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة، قال الله تعالىقُوا أنفُسَكم وأهْلِيكم ناراً } ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع، ألا ترى أن المقدم من العلماء والكبراء إذا كان صالحاً عادلا كيف يتسارع الصلاح والعدل إلى رعيته، فقد تشاركت الذرية وغيرها فى هذا، وزادت بحق القرابة فكان الاهتمام بها أولى، ويجوز أن تكون من للابتداء، سواء قلنا الجعل المذكور هو العامل، أو قدرنا اخلق أو اجعل بمعنى أخلق تعلق به من، أى واخلق من ذريتنا أمة مسملة لك، وكونها للابتداء لا يفوت بها التبعيض، بل هو باق هنا فإنك تقول أعطنى الدراهم من الكيس، سواء تريد أن يعطيك بعضها فقط، أو أن يعطيك الكل. ويجوز أن تكون من للتبيين متعلقة بمحذوف حال من أمة، وأمة مفعول لا خلق أو اجعل، بمعنى اخلق محذوفاً. قال ابن هشام قال بعض إن الظرف كان صفة لأمة، ثم قدم فانتصب على الحال، يعنى بالظرف قوله { من ذريتنا } وهذا يلزم منه الفعل بين العاطف والمعطوف بالحال، وأبو على لا يجيزه بالظرف، فما الظن بالحال الشبيهة بالمفعول به؟ انتهى.

السابقالتالي
2 3