الرئيسية - التفاسير


* تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن/ البقلي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } * { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }

قوله تعالى { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } امهال يعقوب بنيه وتركه دفع لعبهم بانه راى لطافة خاطر يوسف ومواصلة حزن النبوة فى قلبه وتاثير برحاء القبض فى صدره فاذن لهم بذلك ليخرج يوسف لحظة من تحت اثقال هموم المعرفة وتواتر تراكم حزن المحبة ومواجيد القربة ويستروح ساعة برؤية الآلاء والنعماء فسامحهم بذلك ليس انه غافل عن تاديبهم وزجرهم عن اللهو واللعب وراى ما فى ضمائرهم من لطيف المكر وعلم انه موضع البلاء فجعل المعول عليهم وسبق التقدير على التدبير وحجب غيرة الله بينه وبين يوسف قال محمد بن على لما لم يزجرهم عن اللعب وسكت عنهم جاء من ذلك اللعب ما اتصل عليه به الحزن قال ابن عطاء لو ارسله معهم وسلمه الى القضاء لحفظ لكنه اعتمد على حفظهموَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } فخانوه ولو ترك تدبيره عليه وحفظهم له لكان محفوظا كما حفظ الاخرين قال الله خير حافظاً قال بعضهم رجع يعقوب الى نفسه فى ثلاثة مواطن فابتلى فيه قال ليوسف لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا فكادوا له ولما قالوا ارسله معنا غدا قال اخاف ان ياكله الذئب فقالوا اكله الذئب ولما قال لهم لا تدخلوا من باب واحد اصابهم فى ذلك ما حذر عليه منهم قوله { قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ } صدق يعقوب خاف من ذئب حسدهم وبرؤيته فى ذلك حقيقة وكل ما راى يعقوب من هذه الواقعات فقوله فيها وقوع نظر سره على سابق التقدير وكل ما قال لبنيه من الزجر والنصيحة فى حق يوسف مما راى بنور النبوة ما يقع فى المستقبلات من الواقعات وذلك غير مناقض لحقيقة التوحيد وكيف يكون استعمال معاملات العقل وعادة البشرية حجاب الانبياء والصديقين من رؤيتهم حقائق التقدير وهم يعلمون ان من العرش الى الثرى من الحركات والسكنات عاجزة بين حرفى الكاف والنون وايضا اخاف من ذئب التقدير ان يفرق بينى وبين ابنى وانتم عما اراه غافلون راى غيرة الحق عليه حتى لا ينظر الى الوسائط فى شهود حقيقته وتصديق ذلك ان الذئب لم ياكل يوسف فعلمنا ان الذئب ذئب الحسد وكيف كان فراسة خطا وراى بنور فراسة ما كان يجرى على يوسف الى اخر عمره وافق فى متابعة مراد الله لانه اراد ان يفرق بينه وبين يوسف
اريد وصاله ويريد هجرى   فاترك ما اريد لما يريد
قال ابو على الجوزجانى خاف الذئب فسلط عليه ولو خاف الله لمنع عنه كيد الاخوة وقال الجنيد ما اوقعهم فى الحسد الا ما اظهر من شفقته عليه بهذا القول.