الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ فَبِمَا نَقضِهم مِيثَاقَهُم لَعَنَاهُم } عطف لعناهم على أخذ الله بالفاء والباء متعلق بلعناهم، ويقدر مثله لجعلنا، وما مؤكدة مفخمة بين الجار والمجرور، وميثاق مفعول لنقض، وقدم بما نقضهم للحصر ولطريق العرب فى الاهتمام، ولم أقل بتنازع جعلنا ولعنا فى بما نقضهم، لأن الصحيح أنه لا تنازع فى مقدم، ولا سيما أن معمول المعطوف لا يتقدم على العاطف، واللعن الطرد عن الرحمة، أى بعدناهم عن جنتنا ورضانا. وقيل مسخناهم فان المسخ طرد عن رحمة الدنيا والآخرة، وقيل ضربنا عليهم الجزية بذلك، وذلك كله نقضهم الميثاق اذ عصو موسى وكذبوا الرسل بعد موسى، وقتلوهم ونبذوا كتاب الله، وضيعوا الفرائض، فالطرد عن رحمة الله ورضاه مطلق، والمسخ فى زمان داود بالاعتداء فى السبت، فمسخوا قردة، وفى زمان عيسى مسخوا خنازير لشأن المائدة، والجزية فى زمان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل رضى بما فعل من قبله، وذلك قول قتادة بسطته، وقيل كتموا صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك نقضهم أو مجموع ذلك. { وَجَعَلنَا قُلُوبَهُم قَاسِيَةً } صلبة غليظة لا تلين بالوعظ، وليس ذلك جبراً والا لم يذمهم، بل ترك توفيقهم باختيارهم، فقست فذلك جعله قلوبهم قاسية، ويجوز أن يكون معنى ذلك الجعل امهالهم عن العقاب فقسوا، وقرأ عبد الله بن مسعود وحمزة والكسائى قسية بتشديد الياء واسقاط الألف قيل السين بوزن فعيل للمبالغة، كقادر وقدير أو وصف بمعنى ردية من قولهم درهم قسى أى فيه صلابة النحاس اذا كان مغشوشا، لأن فى الذهب والفضة الخالصين ليناً. وقرىء قسية بكسر القاف اتباعاً لكسر السين بعدها، والثلاثة من معنى الصلابة، ومثلها قسح يقسح فهو قاسح بالحاء، وذلك أولى مما ذكر الأصمعى والفارسى، أن قسية باسقاط الألف فارسى معرب بمعنى الدرهم الردىء وأفرد قاسية لأن القلوب جملة. { يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } ليس هذا معنى نفس القسوة، لكنه ثمرة القسوة، كأنه لما قست قلوبهم تولد من قسوتها تحريف كلام الله، فالجملة مستأنفة أو حال من هاء لعنهم، لبيان ما أدت اليه قسوة قلوبهم، وأنه لا أقبح من قسوة أدت الى تحريف كلام الله والكذب عليه، وذلك أنهم حرفوا نعت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيره مما أرادوا تغييره من التوراة كآية الرجم، وذلك أنهم بدلوا اللفظ بلفظ آخر يخالف معناه فى بعض، وحرفوه التفسير فى بعض، وخطوا بالقلم فى بعض. { وَنَسُوا حَظًّا } نصيباً عظيماً، فالتنكير للتعظيم. { مِّمَّا ذُكِرُوا بِهِ } من التوراة وهو ما تركوا العمل به من التوراة ولم يحرفوه، وما تركوا العمل به وحرفوه أيضاً، وذلك أنه لو عملوا به لكان لهم حظ عظيم من الثواب، ومن ذلك تركهم الايمان برسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن.

السابقالتالي
2