الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِيۤ أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ ٱلذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ }

{ قَالَ } استئناف بياني كأن سائلاً يقول: فماذا قال أبوهم لهم؟ فقيل: قال: { إِنّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ } لشدة مفارقته عليّ وقلة صبري عنه، واللام الداخلة على خبر إن إذا كان مضارعاً قيل: تقصره على الحال وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: تكون له ولغيره، واستدلوا بقوله تعالى:إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [النحل: 124]، وقيل: إنها للحال إن خلت عن قرينة ومعها تكون لغيره، وجعلوا من ذلك ما في الآية، وبعضهم جعلها هنا للحال، واستشكل بأن الذهاب مستقبل فيلزم تقدم الفعل على فاعله وهو غير جائز لأنه أثره ولا يعقل تقدم الأثر على المؤثر. وأجيب بأن التقدير قصد أو توقع أن تذهبوا به، فالكلام على تقدير المضاف وهو الفاعل وليس ذاك أمراً مستقبلاً بل حال، ولا يمتنع في مثل ذلك حذف الفاعل لما صرحوا به أنه إنما يمتنع إذا لم يسدّ مسدّه شيء وهنا قد سدّ، ولا يجب أن يكون السادّ هو المضاف إليه كما ظن بل لو سدّ غيره كان الحذف جائزاً أيضاً، ومن هنا كان تقدير قصدكم أن تذهبوا صحيحاً، ويحتمل أن يكون ذلك تقدير معنى لا تقدير إعراب، وقال بعضهم: / إنه يمكن دفع الإشكال من غير حاجة إلى تقدير المضاف بأن يقال: إن الذهاب يحزنه باعتبار تصوره كما قيل نظيره في العلة الغائية، وقال شهاب: ذلك التحقيق أظن أن ما قالوه في توجيه الاشكال مغلطة لا أصل لها فان لزوم كون الفاعل موجوداً عند وجود الفعل إنما هو في الفاعل الحقيقي لا النحوي واللغوي فإن الفعل قد يكون قبله سواء كان حالاً كما فيما نحن فيه أو ماضياً كما أنه يصح أن يكون الفاعل في مثله أمراً معدوماً كما في قوله:
ومن سره أن لا يرى ما يسوءه   فلا يتخذ شيئاً يخاف له فقداً
ولم يقل أحد في مثله إنه محتاج إلى التأويل فإن الحزن والغم كالسرور والفرح يكون بالشيء قبل وقوعه كما صرح به ابن هلال في «فروقه»، ولا حاجة إلى تأويل أو تقدير أو تنزيل للوجود الذهني منزلة الخارجي على القول به، أو الاكتفاء به فإن مثله لا يعرفه أهل العربية أو اللسان فإن أبيت إلا اللجاج فيه فليكن من التجوز في النسبة إلى ما يستقبل لكونه سبباً للحزن الآن اهـ.

وأنت تعلم أنهم صرحوا بأن فعل الفاعل الاصطلاحي إما قائم به أو واقع منه، وقيام الشيء بما لم يوجد بعد ووقوعه منه غير معقول، وحينئذ فالتأويل بما يصح القيام أو الوقوع في فاقد ذلك بحسب الظاهر واجب كذا قيل فتدبر. وقرأ ابن هرمز وابن محيصن ـ ليحزني ـ بالإدغام، وبذلك قرأ زيد بن علي رضي الله عنهما، وقرأ أيضاً (تذهبوا به) من أذهب رباعياً، ويخرج كما قال أبو حيان على زيادة الباء في { بِهِ } كما خرج بعضهم

السابقالتالي
2 3