الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا }

{ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا } فيستريح { وَلاَ يَحْيَىٰ } أي حياة تنفعه وقيل إن روح أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسد فيحيا وهو غير غني عن التقييد بنحو حياة كاملة على أنه بعد لا يخلو عن بحث. و(ثم) للتراخي في الرتبة فإن هذه الحالة أفظع وأعظم من نفس الصلي وقال عصام الدين يحتمل أن يكون هذا الكلام كناية عن عدم النجاة لأن النجاة عن العذاب إنما يكون بالعمل في دار يموت فيها العامل ويحيا والنظم أقرب إلى هذا المعنى كيف واللائق بالمعنى السابق ثم لا يكون ميتاً فيها ولا حياً فتأمل انتهى وفي كون اللائق بالمعنى السابق ما ذكره دون ما في النظم الجليل منع ظاهر والظاهر أنه لائق به مع تضمنه رعاية الفواصل وكذا في توجيه كون ما ذكر كناية عن عدم النجاة خفاء وكأنه لذلك أمر بالتأمل وقد يقال إن مثل ذلك الكلام يقال لمن وقع في شدة واستمر فيها فلا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى خلودهم في العذاب وأمر التراخي الرتبـي عليه ظاهر أيضاً لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها وصليها.

واعلم أن عدم الموت في النار على ما صرح به غير واحد مخصوص بالكفرة وأما عصاة المؤمنين الذين يدخلونها / فيموتون فيها واستدل لذلك بما أخرجه مسلم عن أبـي سعيد عن النبـي صلى الله عليه وسلم " (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم أو قال بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحماً أُذِنَ في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحِبَّة في حميل السيل " قال الحافظ ابن رجب إنه يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم وأيد بتأكيد الفعل بالمصدر في قوله عليه الصلاة والسلام " فأماتهم الله تعالى إماتة " وأظهر منه ما أخرجه البزار عن أبـي هريرة مرفوعاً " إن أدنى أهل الجنة حظاً أو نصيباً قوم يخرجهم الله تعالى من النار فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون بالله تعالى شيئاً فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون ربنا كما أخرجتنا من النار وأرجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار فيصرف وجوههم عن النار "

وهذه الإماتة على ما اختاره غير واحد بعد أن يذوقوا ما يستحقونه من عذابها بحسب ذنوبهم كما يشعر به حديث مسلم وإبقاؤهم فيها ميتين إلى أن يؤذن بالشفاعة لا يجابه تأخير دخولهم الجنة تلك المدة كان تتمة لعقوبتهم بنوع آخر فتكون ذنوبهم قد اقتضت أن يعذبوا بالنار مدة ثم يحبسوا فيها من غير عذاب مدة فهم كمن أذنب في الدنيا ذنباً فضرب وحبس بعد الضرب جزاء لذنبه ولم يبقوا أحياء فيها من غير عذاب كخزنتها إما ليكون أبعد عن أن يهولهم رؤيتها أو لتكون الإماتة وإخراج الروح من تتمة العقوبة أيضاً.

السابقالتالي
2