الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ }

{ قُلْ } أي: لكفار مكة المبكَّتين بما تقدم: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً } أي: معبوداً. كقوله تعالى:قُلْ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ أَيُّهَا ٱلْجَاهِلُونَ } [الزمر: 64]. والمعنى: لا أتخذ ولياً إلا الله وحده. { فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ }. أي: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق. بالجر، صفة للجلالة، مؤكدة للإنكار، { وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ } أي: يَرْزُق ولا يُرْزَق، أي: المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع. أي: فيجب اتخاذه وليّاً ليعبد شكراً على إنعامه، وكفايته الحوائج بلا طلب عوض. قيل: المراد بالطعم: الرزق، بمعناه اللغويّ. وهو كل ما ينتفع به، بدليل وقوعه مقابلاً له في قوله تعالى:مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ } [الذاريات: 57]. فعبر بالخاص عن العام مجازاً؛ لأنه أعظمه وأكثره، لشدة الحاجة إليه. واكتفى به عن العام، لأنه يعلم، من نفي ذلك، نفي ما سواه.

{ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ } أي: وجهه لله مخلصاً له، لأصير متبوعاً للباقين، كقوله:وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [الأنعام: 163]، وكقول موسى:سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 143].

{ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } أي: وقيل لي: (وَلاَ تَكُونَنَّ). فهو معطوف على: (أُمِرْتُ) بمعنى: أمرت بالإسلام، ونهيت عن الشرك صريحاً مؤكداً، بعد النهي في ضمن الأمر. ونهي المتبوع نهي التابعين. ويجوز عطفه على: (قُلْ). وفي الآية إرشاد إلى أن كل آمر ينبغي أن يكون عاملاً بما أمر به؛ لأنه مقتداهم. قيل: هذه الآية للتحريض، كما يأمر الملك رعيته بأمر، ثم يقول: وأنا أول من يفعل ذلك، ليحملهم على الامتثال.