الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ }

قوله تعالى: { أَغَيْرَ ٱللَّهِ }: مفعول أول لـ " أتَّخِذُ " و " وليَّاً " مفعولٌ ثاني، وإنما قَدَّم المفعول الأول على فعله لمعنى: وهو إنكار أن يُتَّخَذَ غيرُ اللَّهِ ولياً لا اتخاذ الوليّ، ونحوُه قولك لمن يهين زيداً وهو مستحقٌّ للإِكرام: " أزيداً أهنت " ، أَنْكَرْتَ أن يكون مثله مُهاناً. وقد تقدَّم هذا موضحاً في قوله:أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ } [المائدة: 116] ومثله:أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } [الأنعام: 114]أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَأْمُرُونِّيۤ أَعْبُدُ } [الزمر: 64]ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ } [يونس: 59]ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ } [الأنعام: 13] وهو كثير. ويجوز أن يكون " أتخذ " متعدياً لواحد فيكون " غيرَ " منصوباً على الحال من " وليَّاً " لأنه في الأصل صفة له، ولا يجوز أن يكون استثناءً البتة، كذا منعه أبو البقاء، ولم يُبَيِّنْ وجهَه. والذي يظهر أنَّ المانع تقدُّمه على المستثنى منه في لامعنى وهو " وليَّاً " ، وأما المعنى فلا يأبى الاستثناء، لأن الاستفهام لا يُراد به حقيقته، بل يُراد به الإِنكار، فكأنه قيل: لا أتَّخذ ولياً غير الله، ولو قيل كذا لكان صحيحاً، فظهر أن المانع عنده إنما هو التقديم على المستثنى منه، لكن ذلك جائز، وإن كان قليلاً ومنه:
1874- وما ليَ آل أحمدَ شيعةٌ   وما لي إلا مَشْعبَ الحقِّ مَشْعَبُ
وقرأ الجمهور " فاطرِ " بالجر، وفيها تخريجان، أحدهما - وبه قال الزمخشري والحوفي وابن عطية - صفة للجلالة المجرورة بـ " غير " ، ولا يَضُرُّ الفصل بين الصفة والموصوف بهذه الجملة الفعلية ومفعولها؛ لأنها ليست بأجنبية، إذ هي عاملة في عامل الموصوف. والثاني - وإليه نحا أبو البقاء - أنه بدلٌ من اسمِ الله، وكأنه فرَّ من الفصل بين الصفة وموصوفها، فإن قيل: هذا لازمٌ له في البدل، فإنه فَصَل بين التابع ومتبوعِه أيضاً. فيقال: إن الفصل بين البدلِ والمبدلِ أسهلُ؛ لأنَّ البدل على نية تكرار العامل فهو أقرب إلى الفصل، وقد ترجَّح تخريجُه بوجهٍ آخرَ: وهو أنَّ " فاطر " اسم فاعل، والمعنى ليس على المضيِّ حتى تكون إضافتُه غيرَ محضة فيلزم وَصْفُ المعرفة بالنكرة لأنه في نية الانفصال من الإِضافة، ولا يقال: الله فاطر السماوات والأرض فيما مضى، فلا يُراد حال ولا استقبال؛ لأن كلام الله تعالى قديم متقدِّمٌ على خلق السماوات، فيكون المراد به الاستقبال قطعاً، ويدلُّ على جواز كونه في نية التنوين ما سأذكره عن أبي البقاء قريباً.

وقرأ ابن أبي عبلة برفعه، وتخريجه سهل، وهو أنه خبر مبتدأ محذوف. وخَرَّجه ابن عطية على أنه مبتدأ فيحتاج إلى تقدير خبر، الدلالةُ عليه خفيةٌ بخلاف تقدير المبتدأ فإنه ضمير الأول أي: هو فاطر: وقرئ شاذاً بنصبه، وخرَّجه أبو البقاء على وجهين، أحدهما: أنه بدل من " وليَّاً " قال: " والمعنى على هذا أجعلُ فاطر السماوات والأرض غيرَ الله " كذا قدَّر وفيه نظر؛ فإنه جعل المفعول الأول وهو " غير الله " مفعولاً ثانياً، وجعل البدل المفعول الثاني مفعولاً أول، فالتقدير عكسُ التركيب الأصلي.

السابقالتالي
2 3