الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُوۤاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ }

أي: كونوا حواريِّي نبيكم ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواريِّي عيسى على من خالفهم.

قوله: { أَنصَارَ ٱللَّهِ }.

قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: " أنصاراً " ، منوناً " لله " جاراً ومجروراً.

والباقون: " أنصار " غير مُنوَّنٍ، بل مضافاً للجلالة الكريمة.

والرسم يحتمل القراءتين معاً، واللام يحتمل أن تكون مزيدة في المفعول للتقوية لكون العامل فرعاً، إذ الأصل " أنصار اللَّهِ " وأن تكون غير مزيدة، ويكون الجار والمجرور نعتاً لـ " أنصار ". والأول أظهر.

وأما القراءة على الإضافة ففرع الأصل المذكور، ويؤيد قراءة الإضافة الإجماع عليها في قوله تعالى: { نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ } ولم يتصور جريان الخلاف هنا، لأنه مرسوم بالألف.

قال القرطبي: قيل: في الكلام إضمار، أي: قل لهم يا محمد: كونوا أنصار الله.

وقيل: هو ابتداء خطاب من الله، أي: كونوا أنصار الله كما فعل أنصار عيسى، فكانوا بحمد الله أنصاراً وكانوا حواريين.

فصل في الحواريين

قال القرطبيُّ: " الحواريون: خواص الرسل.

قال معمر: كان ذلك بحمد الله تعالى، أي نصروه سبعون رجلاً، وهم الذين بايعوه ليلة العقبة، وقيل هم من قريش، وسماهم قتادة: أبو بكر، وعمر، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة واسمه عامر، وعثمان بن مظعون، وحمزة بن عبد المطلب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، ولم يذكر سعيداً فيهم، وذكر جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنهم - أجمعين ".

قوله: { كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ }.

وهم أصفياؤه اثنا عشر رجلاً، وقد مضت أسماؤهم في " آل عمران ".

وهم أول من آمن به من بني إٍسرائيل. قاله ابن عباس.

وقال مقاتل: قال الله لعيسى: إذا دخلت القرية فأتِ النهر الذي عليه القصارون فاسألهم النصرة؛ فأتاهم عيسى وقال لهم: من أنصاري إلى الله؟ فقالوا: نحن ننصرك، فصدقوه ونصروه.

قوله: " كَمَا ". فيه أوجه:

أحدها: أن الكاف في موضع نصب على إضمار القول، أي: قلنا لهم ذلك كما قال عيسى.

الثاني: أنه نعت لمصدر محذوف تقدير: كونوا كوناً. قاله مكي. وفيه نظرٌ؛ إذ لا يؤمروا بأن يكونوا كوناً.

الثالث: أنه كلام محمول على معناه دون لفظه.

وإليه نحا الزمخشري، قال: " فإن قلت: ما وجه صحة التشبيه وظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى صلى الله عليه وسلم من أنصاري؟

قلت: التشبيه محمُول على المعنى، وعليه يصح، والمراد: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: مَنْ أنصَاري إلى اللَّهِ "؟.

وتقدم في " آل عمران " تعدي أنصار بـ " إلى " واختلاف الناس في ذلك.

السابقالتالي
2