قوله: { أَنصَارَ ٱللَّهِ }: قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " أنصاراً " منوناً، " لله " جارَّاً ومجروراً. والباقون " أنصارَ " غيرَ منونٍ بل مضافاً للجلالة الكريمة، والرسمُ يحتمل القراءتَيْن معاً. واللامُ يُحتمل أَنْ تكونَ مزيدةً في المفعولِ للتقوية لكونِ العاملِ فَرْعاً، إذ الأصلُ: أنصاراً اللَّهَ، وأَنْ تكون غيرَ مزيدةٍ، ويكونَ الجارُّ والمجرورُ نعتاً لـ " أَنْصاراً " والأولُ أظهرُ. وأمَّا قراءةُ الإِضافةِ ففرعُ الأصلِ المذكورِ. ويؤيِّدُ قراءةَ الإِضافةِ الإِجماعُ عليها في قوله: { نَحْنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ }. ولم يُتَصَوَّرْ جَرَيانُ الخلافِ هنا لأنه مرسومٌ بالألفِ. قوله: { كَمَا قَالَ عِيسَى } فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّ الكافَ في موضع نصبٍ على إضمارِ القولِ أي: قُلْنا لهم ذلك، كما قال عيسى. الثاني: أنها نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ تقديرُه: كونوا كَوْناً، قاله مكي وفيه نظرٌ؛ إذ لا يُؤْمَرُون بأن يكونوا كَوْناً. الثالث: أنه كلامٌ محمولٌ على معناه دون لفظِه، وإليه نحا الزمخشريُّ، فإنه قال: " فإنْ قلتَ ما وجهُ صحةِ التشبيهِ، وظاهرُه تشبيهُ كونِهم أنصاراً بقولِ عيسى صلوات الله عليه مَنْ أنصاري؟ قلت: التشبيهُ محمولٌ على المعنى، وعليه يَصِحُّ، والمرادُ: كونوا أنصارَ الله كما كان الحواريُّون/ أنصارَ عيسى. حين قال لهم: { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ }. وتقدَّم في آل عمران تَعَدِّي " أَنْصَاري " بـ " إلى " ، واختلافُ الناسِ في ذلك. وقال الزمخشري هنا: " فإنْ قلتَ: ما معنى قولِه: { مَنْ أَنَّصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ } قلت: يجبُ أَنْ يكونَ معناه مطابقاً لجوابِ الحواريين: نحن أنصارُ الله. والذي يطابِقُه أَنْ يكونَ المعنى: مَنْ جُنْدِيٌّ متوجِّهاً إلى نصرةِ الله؟ وإضافةُ " أَنْصاري " خلافُ إضافةِ " أنصار الله "؛ فإنَّ معنى " نحن أنصارُ الله ": نحن الذين يَنْصُرون الله، ومعنى " مَنْ أنصاري ": مَنْ الأنصارُ الذين يختصُّون بي، ويكونون معي في نُصْرَةِ اللَّهِ. ولا يَصِحُّ أَنْ يكونَ معناه مَنْ يَنْصُرني مع الله؛ لأنه لا يطابِقُ الجوابَ. والدليل عليه قراءةُ مَنْ قرأ " أنصارَ الله " انتهى. قلت: يعني أنَّ بعضَهم يَدَّعي أنَّ " إلى " بمعنى مع أي: مَنْ أنصاري مع الله؟ وقولُه: " قراءةُ مَنْ قرأ أنصارَ الله " أي: لو كانت بمعنى " مع " لَما صَحَّ سُقوطُها في هذه القراءةِ. وهذا غيرُ لازمٍ؛ لأنَّ كلَّ قراءةٍ لها معنىً يَخُصُّها، إلاَّ أن الأَوْلَى توافُقُ القراءتَيْن. قوله: { فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ } مِنْ إيقاع الظاهرِ موقعَ المضمرِ فيهما، تَنْبيهاً على عداوةِ الكافرِ للمؤمن؛ إذ الأصلُ: فأيَّدْناهم عليهم، أي: أيَّدْنا المؤمنين على الكافرين من الطائفتَيْن المذكورتَيْن.