الرئيسية - التفاسير


* تفسير الوسيط في تفسير القرآن الكريم/ طنطاوي (ت 1431 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

قوله - تعالى - { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } معطوف على قوله قبل ذلكوَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } ونسب - سبحانه - تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } جمع نصران كندامى جمع ندمان، ولم يستعمل نصران إلا بياء النسب. وقد صارت كلمة نصرانى لكل من اعتنق المسيحية. وقد سموا بذلك لدعواهم أنهم أنصار عيسى على أعدائهم. أو نسبة إلى بلدة الناصرة التى فيها نشأ عيسى - عليه السلام - وأعلن دعوته للناس. والمعنى وكما أخذنا على بنى إسرائيل الميثاق بأن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه، ويستجيبوا لمحمد صلى الله عليه وسلم الذى بشرت به الكتب السماوية، فقد أخذنا - أيضاً - من الذين قالوا إنا نصارى الميثاق بذلك، ولكنهم كان شأنهم فى الكفر ونقض العهود كشأن اليهود، إذ ترك هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى قدراً كبيراً، ونصيباً عظيماً مما ذكروا به على لسان عيسى عليه السلام - فقد أمرهم بتوحيد الله، وبشرهم بظهور رسول من بعده هو محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الإِيمان به، ولكنهم استحبوا الكفر على الإِيمان، فكان دأبهم كدأب بنى إسرائيل فى العناد والضلال. ونسب - سبحانه - تسميتهم نصارى إلى أنفسهم فقال { وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ } ولم يقل " ومن النصارى " للإِشارة إلى أن ادعاءهم النصرانية وهى الدين الذى جاء به عيسى. إنما هو قول يقولونه بافواههم دون أن يتبعوه بقلوبهم إذ لو كانوا متبعين حقاً لما جاء به عيسى عليه السلام - لأقروا لله - تعالى - بالوحدانية ولآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الذى بشر به عيسى - عليه السلام -. وإلى هذا المعنى أشار - صاحب الكشاف بقوله فإن قلت فهلا قيل ومن النصارى؟ قلت لأنهم إنما سموا أنفسهم بذلك ادعاء لنصرة الله، وهم الذين قالوا لعيسى نحن أنصار الله. ثم اختلفوا بعد نسطورية، ويعقوبية، وملكانية، أنصاراً للشيطان ". وقوله - تعالى { فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ } بيان لما حدث منهم بعد أخذ الميثاق. أى أخذنا من الذين قالوا إنا نصارى ميثاقهم على أن يعبدوا الله وحده ويطيعوا أنبياءه ورسله ولكنهم لم يكونوا أوفياء بعهودهم، بل تركوا نصيباً كبيرا مما أمروا بفعله ومما ذكروا به على لسان المسيح عيسى بن مريم. والمراد بالنسيان هنا الترك والإِهمال عن تعمد وقصد، لأن الناسى حقيقة لا يؤاخذه الله - تعالى - والإِتيان بالفاء فى قوله { فَنَسُواْ } للإشارة إلى أن تركهم لما أخذ عليهم من ميثاق، كان عن تعجل وعدم تمهل بسبب استيلاء الأهواء والشهوات على نفوسهم. والتنكير فى قوله تعالى { حَظّاً } للتهويل والتكثير.

السابقالتالي
2 3