الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

{ وَوَاعَدْنا } المفاعلة لأن موسى لما وعده ربه أقبل على الوعد والتزمه، وقرأ أبو عمرو، ويعقوب، وأبىّ بن كعب، وأبو رجاء، وأبو جعفر ووعدنا بإسقاط الألف بين الواو والعين { مُوسَى ثَلاثِينَ لَيلةً } ذا العقدة يصومه ويعتزل فيه، ويجتهد فى العبادة، فلننزل عليه الكتاب فيه، ما يؤتون وما يتقون، ولا علم له بذلك. وروى أنه وعد قومه بذلك الكتاب بعد هلاك فرعون، فسأل ربه فأمره بصوم ذلك، ففعل، فلما تم أنكر خلوف فمه، فتسوَّك بعود خرنوب، وروى بعود خروب، وقيل أكل من ورق الشجر، وقيل مص من لحى الشجرة، فقالت الملائكة كنا نشتم من فيك أطيب من ريح المسك، فأفسدته بالسواك، وأوحى الله إليه أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندى من ريح المسك، فأمره الله أن يزيد عليها عشرة ليختم بالخلوف كما قال { وأتْممْناها } وقرأ أبى وتممناها بالتشديد { بعَشْرٍ } من ذى الحجة، وأنزل عليه التوراة بعدها، وقيل أنزلها وكلمه فيها، ونصب ثلاثين على المفعولية لواعدنا، لأنه بمعنى أجلناه ثلاثين، أو يقدر مضاف، أى وواعدنا موسى مناجاة ثلاثين ليلة لا على الظرفية، لأن المواعدة ليست فى الثلاثين، وقيل واعده فى أول مرة أربعين ليلة للمناجاة، وقيل ثلاثين للخلى للعبادة باجتهاد، وبعشر للمناجاة، وعليهما يكون قوله { فتمَّ مِيقاتُ ربِّه أرْبعِينَ لَيلةً } مثل قولهفتلك عشرة كاملة } بعد قولهوسبعة إذا رجعتم } والميقات ما قدر وحدد، وأربعين حال من ميقات، وأجاز بعضهم أن يكون ظرفا، لأنه واقع على الزمان، ويرده أن التمام بالأربعين لا فيها، ويجوز كونه مفعولا لحال محذوف من الميقات، أى بالغا أربعين لا من الهاء على الصحيح لعدم شرط مجئ الحال من المضاف إليه، وليلة تمييز مؤكد لأنه معلوم من السياق أن المعدود ليال، وليس مؤكدا لعامله الذى هو أربعين، فإن مجرد أربعين ليس نصا فى الليالى، والتمييز لا يؤكد عامله كما قال ابن هشام. { وقالَ مُوسَى لأخِيهِ هارُونَ } بدل أو بيان، وقرىء بالضم على النداء { اخْلُفنِى فى قَوْمى } كن خليفتى فى قومى، أى حتى أرجع، ومعلوم أن استخلاف الحى فى حياته منته بوقت لا متصل بعد موته، والدليل على ذلك الوقت قرائن الأحوال، فإذا قال مريد السفر أنت خليفتى، فوقت انتهاء الخلافة رجوعه من السفر، وإن مات فيه انقطعت بموته، وهذا متقرر عقلا من العادة، فبطل ما تعلق به بعض الفرق من أن قوله صلى الله عليه وسلم لعلى " أنت منى بمنزلة هارون من موسى " دليل على أن عليا أولى بالإمامة بعده، وأن الأمة أخطأت فى استخلاف الثلاثة قبله، ولقد أخطأت تلك الفرقة، وأصابت الأمة، فإن خلافة هارون مؤقتة برجوع موسى من المناجاة. { وأصْلحْ } ما فسد من أمرهم، أو كن عاملا بالمصالحات مطلقا.

السابقالتالي
2