الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُوۤاْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَـٰذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

{ فلمَّا ذهبُوا بهِ وأجْمعُوا } اتفقوا أو عزموا { أن يجْعَلوهُ فى غَيَابات الجُبِّ } فى تأويل المصدر معمول لأجمعوا، على تقدير على، أى اتفقوا أو عزموا على جعلهم إياه فى غيابات الجبِّ، أو مفعول به كقوله تعالى { فأجمعوا أمركم } أى اعزموه يقال عزمت الأمر، وعزمت عليه، وعزم الأمر بالرفع، وفى غيابات القراءات السابقات وجوب لما محذوف، أى فعلوا به من الأذى بأن طرحوا قميصه بعد ضربه وإهانته وإرادة قتله، وأدلوه ثم ألقوه قبل الوصول، وحذف للتهويل، وهذا أولى من جعل الجواب أجمعوا وأوحينا، وزيدت فيه الواو. ولما أرادوا أن يلقوه فى الجب دلوه فيه، وتعلق بشفيره، وروى أنه تعلق بثيابهم فنزوعها من يديه، فتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال يا إخوتاه ردوا علىَّ قميصى أستر به عورتى، ويكون لى كفنا بعد مماتى، وأطلقوا يدى أدفع بها عنى هوام البئر، فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تأتيك، تلبسك وتؤنسك، وقيل قال لهم تقية لم أر شيئاً وقال ذلك بالمعرضة. وإنما نزعوا قميصه ليلطخوه بالدم، ويحتالوا به على أبيهم، ولما بلغ نصف البئر قطعوا الحبل ليسقط فيموت، فسقط ثم آوى إلى صخرة كانت فيها، فيقام عليها، وكان فى الجب ماء، وقيل أخرج الله تعالى على وجه الماء صخرة ورفعها إلى يوسف فقعد عيلها ولم يسقط كما أرادوا، فجعل يبكى، فنادوه فظن أنها رحمة أدركتهم، فأجابهم فهموا أن يرضخوه ويقتلوه بحجارة أو صخرة، فمنعهم يهودا وقال قد أعطيتمونى موثقا لا تقتلونه وقيل إنما أدلوه فى دلو. وروى أنه لما وصل قعرها قال لهم يا إخوتاه أتدعونى فريدا، ولما وصله أضاء له الجب، وعذب ماؤه، فكان يغنيه عن الطعام والشراب، قاله الحسن، وقيل إنه أتاه الملك جبريل بسفرجلة من الجنة فأطعمه إياها بعد ما حل يديه، وقيل كان يهودا يأتيه بالطعام والشراب خفية عن إخوته، وكان إبراهيم عليه السلام حين ألقى فى النار، وجرد من ثيابه، وقذف فى النار عريانا قد أتاه جبريل بقميص من حرير الجنة، ولما مات ورثه إسحاق، ثم ورثه يعقوب، وإنما توارثوه لأن ذلك ليس من مال الدنيا، وقيل تعاطوه فى حياتهم، ولما شب يوسف جعل يعقوب ذلك القميص فى عوذة تعلق على الإنسان، وعلقها فى عنق يوسف خوفا عليه، قيل وكانت العوذة من فضة. ولما ألقى فى البئر عريانا جاء جبريل بتلك السفرجلة المذكورة، وأخرج ذلك القميص من العوذة، وألبسه إياه، وكان لا يلبسه صغير أو كبير إلا جاء على طوله، وأنسه نهاره، ولما أمسى نهض ليذهب فقال له إذا خرجت عنى استوحشت، فقال إذا أصابك شئ تستوحشه فقال يا صريخ المستصرخين، ويا غياث المستغيثين، ويا مفرج كرب المكروبين، قد ترى مكانى، وتعرف حالى،لا يخفى عليك شئ من امرى، فلما دعا بذلك، بعث الله سبحانه وتعالى إليه سبعين ملكا يحفون به، ويؤنسونه فى الجب.

السابقالتالي
2 3