الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً }

{ مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ } ثواب اهتدائه له، لا ينفع غيره ممن لم يهتد.

{ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا } عقاب ضلاله عليه، لا على من لم يباشره، كل أحد يعاقب بما عمل، ومن أمر بسوء فأمره فعل له، يعاقب عليه، ومن تبعه عوقب على فعله من أتباعه، وذلك تحقيق لقوله تعالى:وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه } [الإسراء: 13] { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } لا تذنب نفس وازرة { وِزْرَ أُخْرَى } أى لا تتصف بذنبها، فلا تؤاخذ به، فتتخلص منه الأخرى. ولا تعاقبان به معاً، وفى ذلك رد على من يقول إن لم نكن على الحق فاتباعه على الأسلاف الذين قلدناهم، كما قال الوليد بن المغيرة: اكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وعلىّ وزركم، وهو سبب نزول الآية، وأما قوله تعالى:مَن يشفع شفاعة حسنة } [النساء: 85] إلخ وقوله:ليحْملوا أوزارهُم } [النحل: 25] إلخ فهما من انتفاع الإنسان بحسنة غيره، أو إِعانته على معصية، وهذا تأكيد لقوله: { ومن ضل } إلخ.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الميت ليُعذَّب ببكاء أهله عليه " فمحمول على ما إذا أمرهم بالبكاء، أو علم أنهم يبكون إذا مات، ولم ينههم، فقد عذب بفعل نفسه أو عذابه فى قبره خيفة بهم، كعذاب الدنيا، وهو فى القبر لا عذاب عقاب، أو الميت المحتضر يتضرر ببكاء أهله، إذ كرهه وأما عقل دية الخطأ فليس عقاباً بل تشريع بالمعاونة، ألا ترى أنا القاتل لا ذنب عليه فكيف قومه. وأما رواية عن عائشة عنه صلى الله عليه وسلم " أطفال المشركين فى النار " ، فلم تصح ثم رأيت والحمد لله أن عمر بن عبد البر ضعفها، وأما قوله: صلى الله عليه وسلم لسعد بن جثامة إذ قال: " نصيب درارى المشركين فى البيات هم منهم " ، فمعناه أنهم منهم فى الحكم كالاسترقاق وهم فى الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربى فى اللامين يعنى أطفال المشركين، فأعطانيهم خدماً لأهل الجنة ".

وروى الحكيم الترمذى، وابن عبد البر، عن أنس عنه صلى الله عليه وسلم: " أولاد المشركين خدم لأهل الجنة " وروى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم رأى الخليل وحوله أولاد الناس فقالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين قال: " وأولاد المشركين " وبذلك أقول لتلك الأحاديث ولآية:ألاَّ تزر وازرة وزر أخرى } [النجم: 38] وقد قيل: نزلت الآية فيهم، وأيضاً لقوله تعالى: { وما كنا معذبين } إلخ.

{ وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ } أى لأحد فى الدنيا أو الآخرة أو فيهما على الذين { حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً } يبيِّن له ما يجب عليه، وما يحرم عليه، والمراد ما عذبنا أحداً قبل التبليغ، بل بعده فكذلك أنتم تعذبون إن لم تؤمنوا، لأنا قد بلّغناكم وهذا أولى من أن يقال مضى قضاؤنا الأزلى أن لا نعذب أحداً بعد الأزل إِلا بعد التبليغ، وقد بعث الله الرسل فلا يعذر أهل الفترة فى التوحيد، ولا فيما دونه، ولو لم يجدوا مخبراً، هذا مذهبنا.

السابقالتالي
2