الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ ٱللَّهِ وَقَتْلِهِمُ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً }

التفريع على قولهوأخذنا منهم ميثاقا غليظا } النساء 154 والباء للسبيبة جَارّة لــ { نقضهم } ، ووما مزيدة بعد الباء لتوكيد التسبّب. وحرف ما المزيد بعد الباء لا يكفّ الباء عن عمل الجرّ وكذلك إذا زيد ما بعد من وبعد عن. وأمّا إذا زيد بعد كاف الجرّ وبعد ربّ فإنّه يكفّ الحرف عن عمل الجرّ. ومتعلَّق قوله { بما نقضهم } يجوز أن يكون محذوفاً، لتذهب نَفْس السامع في مذاهب الهول، وتقديره فعَلْنا بهم ما فَعَلْنا. ويجوز أن يتعلّق بـحرّمْنا عليهم طيّبات أحلّت لهم } النساء 160، وما بينهما مستطردات، ويكون قولهفبظلم من الذين هَادُوا } النساء 160 كالفذلكة الجامعة لِجرائمهم المعدودة من قبل. ولا يصلح تعليق المجرور بــ { طَبَعَ } لأنَّه وقع ردّا على قولهم { قلوبنا غلف } ، وهو من جملة المعطوفات الطالبة للتعلّق، لكن يجوز أن يكون «طبع» دليلاً على الجواب المحذوف. وتقدّم تفسير هذه الأحداث المذكورة هنا في مواضعها. وتقدّم المتعلِّق لإفادة الحصر وهو أن ليس التحريم إلاّ لأجلِ ما صنعوه، فالمعنى ما حرمنا عليهم طيّبات إلاّ بسبب نقضهم، وأكّد معنى الحصر والسَّبب بما الزائدة، فأفادت الجملة حصراً وتأكيداً. وقوله { بل طبع الله عليها بكفرهم } اعتراض بين المعَاطيف. والطبع إحْكام الغلق بجعل طين ونحوه على سدّ المغلوق بحيث لا ينفذ إليه مستخرِج ما فيه إلاّ بعد إزالة ذلك الشيء المطبوع به، وقد يَسِمُون على ذلك الغلق بسمة تترك رسماً في ذلك المجعول، وتسمّى الآلة الواسمة طابعاً ـــ بفتح الباء ـــ فهو يرادف الخَتْم. ومعنى { بكفرهم } بسببه، فالكفرُ المتزايد يزيد تعاصي القلوب عن تلقّي الإرشاد، وأريد بقوله { بكفرهم } كفرهم المذكور في قوله { وكفرهم بآيات الله }. والاستثناء في قوله { إلا قليلاً } من عموم المفعول المطلق أي لا يؤمنون إيماناً إلاّ إيماناً قليلا، وهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضدّه إذ الإيمان لا يقبل القلّة والكثرة، فالقليل من الإيمان عدم، فهو كفر. وتقدّم في قولهفقليلاً ما يؤمنون } البقرة 88. ويجوز أن يكون قلّة الإيمان كناية عن قلّة أصحابه مثل عبد الله بن سلاَم.