الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ }

قوله تعالى: { أُولَـٰئِكَ }: مبتدأٌ، و " صلواتٌ " مبتدأٌ ثانٍ، و " عليهم " خبرُه مقدَّمٌ عليه، والجملةُ خبرُ قولِه " أولئك " ، ويجوزُ أَنْ تكونَ " صلوات " فاعلاً بقوله: " عليهم ". قال أبو البقاء: " لأنه قد قَوِيَ بوقوعِهِ خبراً. والجملةُ من قولِه: " أولئك " وما بعدَه خبرُ " الذين " على أحِد الأوجه المتقدِّمِة، أو لا محلَّ لها على غيرِه من الأوجه، و " قالوا " هو العاملُ في " إذا " لأنه جوابُها، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك، وتقدَّم أنها هل تقتضي التكرارَ أم لا؟

قوله: { إِنَّا للَّهِ } " إنَّ واسمُها وخبرُها في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ، والأصل: إنَّنا بثلاث نوناتٍ، فَحُذِفَتِ الأخيرةُ من إنَّ لا الأولى، لأنه قد عُهِدَ حَذْفُها، ولأنها طَرَفٌ والأطرافُ أَوْلَى بالحَذْفِ، لا يُقال: " إنها لو حُذِفَتِ الثانيةُ لكانَتْ مخففةً، والمخففةُ لا تعملُ على الأفصح فكانَ ينبغي أن تُلْغَى فينفصلَ الضميرُ المرفوعُ حينئذٍ إذ لا عمل لها فيه ، فدلَّ عَدَمُ ذلك على أنَّ المحذوفَ النونُ الأولى " لأنَّ هذا الحَذْفَ حَذْفٌ لتوالي الأمثالِ لا ذاك الحَذْفُ المعهود في " إنَّ " و " أصابَتْهم مصيبةٌ " من التجانسِ المغاير، إذ إحدى كلمتي المادةِ اسمٌ والأخرى فِعْلٌ، ومثلُه:أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } [النجم: 57]وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } [الواقعة: 1] قوله: { وَرَحْمَةٌ } عَطْفٌ على الصلاة وإن كانَتْ بمعناها، فإنَّ الصلاةَ من الله رحمةٌ لاختلافِ اللفظين كقولِه:
778 ـ وقَدَّمَتِ الأدِيمَ لراهِشَيْهِ   وأَلْفَى قولَها كَذِباً ومَيْنَا
وقوله:
779 ـ أَلا حَبَّذا هِنْدٌ وأرضٌ بها هندٌ   وهندٌ أتى مِنْ دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ
قولُه: { مِّن رَّبِّهِمْ } فيه وجهان، أحدهما: أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لصلوات، و " مِنْ " للابتداءِ، فهو في محلِّ رفعٍ أي: صلواتٌ كائنةٌ من ربهم. والثاني: أن يتعلَّقَ بما تَضَمَنَّه قولُه " عليهم " من الفعل إذا جَعَلْناه رافعاً لصلوات رَفْعَ الفاعلِ، فعلى الأولِ يكونُ قد حَذَفَ الصفةَ بعد " رحمة " أي: ورحمةٌ منه، وعلى الثاني لا يَحْتاج إلى ذلك. وقولُه { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ } نظيرُ:وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [البقرة: 5].