الرئيسية - التفاسير


* تفسير فتح القدير/ الشوكاني (ت 1250 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

أي لما أقمنا عليهم الحجة، وأنزلنا الكتاب على رسولنا المرسل إليهم، فلم ينفعهم ذلك ولم يرجعوا به عن غوايتهم، فما بقي بعد هذا إلا أنهم { يُنظَرُونَ } أي ينتظرون { أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ } أي ملائكة الموت لقبض أرواحهم، وعند ذلك لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل { أَوْ يَأْتِىَ رَبُّكَ } يا محمد كما اقترحوه بقولهملَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَـئِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا } الفرقان 21 وقيل معناه أو يأتي أمر ربك بإهلاكهم. وقيل المعنى أو يأتي كل آيات ربك بدليل قوله { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك } وقيل هو من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وقد جاء في القرآن حذف المضاف كثيراً، كقولهوَٱسْأَلِ ٱلْقَرْيَةَ } يوسف 82 وقولهوَأُشْرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ } البقرة 93 أي حب العجل. وقيل إتيان الله مجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين خلقه، كقولهوَجَاء رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } الفجر 22. قوله { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّك } قرأ ابن عمر وابن الزبير " يَوْمَ تَأْتِي " بالفوقية، وقرأ الباقون بالتحتية، قال المبرد التأنيث على المجاورة لمؤنث، لا على الأصل، ومنه قول جرير
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع   
وقرأ ابن سيرين " لا تنفع " بالفوقية. قال أبو حاتم إن هذا غلط عن ابن سيرين. وقد قال الناس في هذا شيء دقيق من النحو ذكره نفطويه، وذلك أن الإيمان والنفس كل واحد منهما مشتمل على الآخر، فأنث الإيمان إذ هو من النفس. قال النحاس، وفيه وجه آخر، وهو أن يؤنث الإيمان، لأنه مصدر كما يذكر المصدر المؤنث مثلفَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مّنْ رَّبّهِ } البقرة 275. ومعنى { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ } يوم يأتي الآيات التي اقترحوها، وهي التي تضطرهم إلى الإيمان { لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا } أو ما هو أعمّ من ذلك، فيدخل فيه ما ينتظرونه. وقيل هي الآيات التي هي علامات القيامة المذكورة في الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهي التي إذا جاءت لا ينفع نفساً إيمانها. قوله { لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ } أي من قبل إتيان بعض الآيات، فأما التي قد كانت آمنت من قبل مجيء بعض الآيات فإيمانها ينفعها، وجملة { لَمْ تَكُنْ ءامَنَتْ مِن قَبْلُ } في محل نصب على أنها صفة { نفساً }. قوله { أَوْ كَسَبَتْ فِى إِيمَـٰنِهَا خَيْرًا } معطوف على { ءامَنتُ } والمعنى أنه لا ينفع نفساً إيمانها عند حضور الآيات متصفة بأنها لم تكن آمنت من قبل، أو آمنت من قبل ولكن لم تكسب في إيمانها خيراً، فحصل من هذا أنه لا ينفع إلا الجمع بين الإيمان من قبل مجيء بعض الآيات مع كسب الخير في الإيمان، فمن آمن من قبل فقط، ولم يكسب خيراً في إيمانه، أو كسب خيراً ولم يؤمن، فإن ذلك غير نافعه، وهذا التركيب هو كقولك لا أعطي رجلاً اليوم أتاني لم يأتني بالأمس، أو لم يمدحني في إتيانه إليّ بالأمس، فإن المستفاد من هذا أنه لا يستحق العطاء إلا رجل أتاه بالأمس ومدحه في إتيانه إليه بالأمس، ثم أمره الله سبحانه أن يقول لهم { انتظروا } ما تريدون إتيانه { إنا منتظرون } له، وهذا تهديد شديد ووعيد عظيم، وهو يقوّي ما قيل في تفسير { يَوْمَ يَأْتِى بَعْضُ ءايَـٰتِ رَبّكَ } إنها الآيات التي اقترحوها من إتيان الملائكة، وإتيان العذاب لهم من قبل الله كما تقدّم بيانه.

السابقالتالي
2