الرئيسية - التفاسير


* تفسير اللباب في علوم الكتاب/ ابن عادل (ت 880 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

لمّا بيّن أنَّهُ إنَّما أنْزَل الكتاب إزالةً للعُذْرِ، وإزاحَةً للعِلَّة، بيَّن أنَّهُم لا يُؤمِنُون ألْبَتَّةَ، وشرح أحْوَالاً تُوجِب اليَأسَ عن دُخُولهم في الإيمان، فقال - سبحانه وتعالى -: { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } أي: بالعذاب، أو عند المَوْت لقبض أرْوَاحِهِم، ونَظِير هذه الآية في سُورة البقرة:هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ ٱلْغَمَامِ } [البقرة:210].

و " هل " استفهام، معناه: النَّفْي، ومعنى " ينظرون ": ينتظرون، والتقدير: أنَّهم لا يُؤمِنُون بِكَ، إلاَّ إذا جَاءَهُم أحَدُ هذه الأمُور الثلاثة.

قوله: " أو يَأتِي رَبُّكَ ": تقدَّم أنه حَذْفِ مُضَاف.

وقرا الأخوان: " إلا أن يأتِيهُم الملائِكَةُ " بياء منقُوطة من تحت؛ لأن التأنيث مَجَازِيُّ، وهو نظير:فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } [آل عمران:39].

وقرأ أبو العالية، وابن سيرين: " يَوْم تَأتِي بَعْضُ " بالتأنيث؛ كقوله تعالى:تَلْتَقِطْهُ } [يوسف:10].

فإن قيل: " أو يَأتِي ربُّكَ " هل يَدلُّ على جوازِ المجيءِ والغيبة على الله - تعالى -. فالجواب من وُجُوه:

الأول: أن هذا حكاية عن الكُفَار، واعتِقَاد الكَافِر ليس بِحُجَّة.

والثاني: أنَّ هذا مَجَازٌ، ونظيرُه قولهُ - تعالى -:فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ } [النحل:26].

والثالث: قيام الدَّلائل القاطِعَة على أنَّ المَجيء والغيْبَة على اللَّه مُحَال، وأقْرَبُها قول إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - في الرَّد على عَبدَة الكواكب:لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } [الأنعام:76].

فإن قيل: قوله - تعالى -: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ } لا يمكن حَمْلُه على إثْبَاتِ أثر من آثار قُدْرَته؛ لأن على هذا التَّقْدِير يَصِيرُ هذا عَيْن قوله: { أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ } مكرَّراً؛ فوجب حَمْلُه على أنَّ المُرادَ مِنْه: إتْيَان الرَّبِّ.

قلنا: الجوابُ المُعْتَمد: أنَّ هذا حكاية مَذْهب الكُفَّار؛ فلا يَكُون حُجَّةً.

وقيل: يأتي ربُّك بلا كَيْف؛ لِفَصْل القضاءِ يَِوْم القِيَامة؛ لقوله - سبحانه وتعالى -:وَجَآءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [الفجر:22].

وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: " يَأتي أمْر ربِّك فيهم بالقَتْل أو غَيْره " ، وقيل: يَأتِي ربُّك بالعَذَابِ.

وقيل: هذا من المُتَشَابه الَّذِي لا يَعْلَمُ تَأوِيله إلاَّ اللَّه.

" أو يأتي بعضُ آيات ربِّك ": وهو المُعْجِزَات القَاهِرة.

قوله: { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ }.

الجمهور على نصب " يَوْمَ " ، وناصِبهُ [ما] بَعْد " لاَ " ، وهذا على أحَدٍ الأقوال الثلاثة في " لاَ " , وهي أنَّها يتقدَّم مَعْمُول ما بَعْدَها عَلَيْها مُطْلَقاً، ولا يتقدَّم مُطْلَقاً، ويُفَصَّل في الثالث: بَيْن أن يَكُون جوابَ قَسَم، فَيَمْتَنِع؛ أوْ لاَ، فيجوز.

وقرأ زُهَيْر الفَرْقَبِيُّ: " يومُ " بالرَّفع، وهو مُبْتَدأ، وخَبَرُه الجُمْلَة بعده، والعَائِد مِنْها إليه مَحْذُوف، أي: لا تَنْفَع فيه.

وقرأ الجُمْهُور " يَنْفَعُ " بالياء من تحت، وقرأ ابنُ سيرين: " تَنْفَع " بالتَّاء من فوق.

السابقالتالي
2 3 4