الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }

وقوله تعالى: { أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ }: تقدم أنه على حذف مضاف. وقرأ الأخوان: { إِلاَّ أَن يَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } بياء منقوطة من تحت لأن التأنيث مجازي وهو نظير { فناداه الملائكة } [آل عمران: 39]. وأبو العالية وابن سيرين: " يوم تأتي بعض " بالتأنيث كقوله { تَلْتَقِطْه بعضُ السيَّارة } [يوسف: 10].

قوله: { يَوْمَ يَأْتِي } الجمهور على نصب " اليومَ " ، وناصبه ما بعد " لا " ، وهذا على أحد الأقوال الثلاثة في " لا " وهي أنها يتقدم معمول ما بعدها عليها مطلقاً، ولا يتقدَّم مطلقاً، ويُفَصَّل في الثالث: بين أن يكون جواب قسم فيمتنع، أو لا فيجوز. وقرأ زهير الفرقبي " يومُ " بالرفع وهو مبتدأ، وخبره الجملة بعده، والعائد منها إليه محذوف أي: لا تنفع فيه.

وقرأ الجمهور " ينفع " بالياء من تحت. وقرأ ابن سيرين: تنفع بالتاء من فوق. قال أبو حاتم: " ذكروا أنه غلط ". قلت: وذلك لأن الفعل مسند لمذكر، وجوابه أنه لما اكتسب بالإِضافة التأنيث أجرى عليه حكمه كقوله:
2129ـ وتَشْرَق بالقول الذي قد أَذَعْتَهُ _   كما شَرِقَتْ صدرُ القانةِ من الدم
وقد تقدَّم لك تحقيق هذا في أول السورة، وأنشد سيبويه على ذلك:
2130ـ مَشَيْنَ كما اهتزَّتْ رماحٌ تسفَّهَتْ   أعاليهَا مَرُّ الرياحِ النَّواسمِ
وقيل: لأن الإِيمان بمعنى العقيدة فهو كقولهم: " أتته كتابي فاحتقرها " أي: صحيفتي ورسالتي. وقال النحاس: " في هذا شيء دقيق ذكره سيبويه: وذلك أن الإِيمان والنفس كل منهما مشتمل على الآخر فأنَّث الإِيمان إذ هو من النفس وبها ". وأنشد سيبويه " مَشَيْن كما اهتزَّت " البيت. وقال الزمخشري في هذه القراءة " لكون الإِيمان مضافاً إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه كقولهم: " ذهبت بعض أصابعه ". قال الشيخ: " وهو غلطٌ؛ لأن الإِيمان ليس بعضاً للنفس " قلت: قد تقدَّم آنفاً ما يَشْهد لصحة هذه العبارة من كلام النحاس في قوله عن سيبويه: " وذلك أنَّ الإِيمان والنفس كلٌّ منهما مشتملٌ على الآخر، فَأَنَّثَ الإِيمانَ إذ هو من النفس وبها " فلا فرقَ بين هاتين العبارتين، أي لا فرق بين أن يقولَ هو منها وبها أو هو بعضها، والمرادُ في العبارتين المجازُ.

قوله: " لم تكنْ آمَنَتْ " في هذه الجملةِ ثلاثةُ أوجهٍ أحدها: أنها في محل نصب لأنها نعتٌ لنفساً، وفَصَل بالفاعل وهو " إيمانها " بين الصفة وموصوفها لأنه ليس بأجنبي، إذ قد اشترك الموصوف الذي هو المفعول والفاعل في العامل، فعلى هذا يجوز: " ضرب هنداً غلامُها القرشية " وقوله " أو كسبت " عطف على " لم تكن آمنت ".

السابقالتالي
2