وماضيه أَنَى بالقصر يَأنى. ويقال: آن لك ـ بالمد ـ أن تفعل كذا يَئِين أَيْناً أي حان، مثل أَنَى لك وهو مقلوب منه. وأنشد ٱبن السِّكيت:
أَلَمَّا يئِنْ ليِ أَنْ تَجَلَّى عَمَايَتيِ
وأَقْصُرُ عن لَيْلَى بَلَى قَدْ أَنَى لِيَا
فجمع بين اللغتين، وقرأ الحسن «أَلَمَّا يَأْنِ» وأصلها «أَلَمْ» زيدت «ما» فهي نفي لقول القائل: قد كان كذا و «لم» نفي لقوله: كان كذا. وفي صحيح مسلم عن ٱبن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } إلا أربع سنين. قال الخليل: العتاب مخاطبة الإِدلال ومذاكرة المَوْجِدة تقول عاتبته معاتبة { أَن تَخْشَعَ } أي تذل وتلين { قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } " روي أن المزاح والضحِك كثر في أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم لما ترفَّهوا بالمدينة، فنزلت الآية ولما نزلت هذه الآية قال صلى الله عليه وسلم:«إن الله يستبطئكم بالخشوع» فقالوا عند ذلك: خَشَعنا " وقال ابن عباس: إن الله ٱستبطأ قلوب المؤمنين، فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن. وقيل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة. وذلك أنهم سألوا سلمان أن يحدثهم بعجائب التوراة فنزلت:{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [يوسف: 1-2] إلى قوله:{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ } [يوسف:3] الآية فأخبرهم أن هذا القصص أحسن من غيره وأنفع لهم، فكفّوا عن سلمان، ثم سألوه مثل الأول فنزلت: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } فعلى هذا التأويل يكون الذين آمنوا في العلانية باللسان. قال السديّ وغيره: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بالظاهر وأسرّوا الكفر { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ }. وقيل: نزلت في المؤمنين. قال سعد: قيل يا رسول الله لو قصصت علينا فنزل: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ } فقالوا بعد زمان: لو حدثتنا فنزل:{ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ } [الزمر:23] فقالوا بعد مدة: لو ذكرتنا فأنزل الله تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } ونحوه عن ابن مسعود قال: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول: ما أحدثنا؟ قال الحسن: ٱستبطأهم وهم أحبّ خلقه إليه. وقيل: هذا الخطاب لمن آمن بموسى وعيسى دون محمد عليهم السلام لأنه قال عقيب هذا: «وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ» أي ألم يأن للذين آمنوا بالتوراة والإنجيل أن تلين قلوبهم للقرآن، وألا يكونوا كمتقدمي قوم موسى وعيسى إذ طال عليهم الأمد بينهم وبين نبيِّهم فقست قلوبهم.