الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ }

فيه مسائل: المسألة الأولى: زعم قوم من قدماء الروافض أن هذا القرآن قد غير وبدل وزيد فيه ونقص عنه، واحتجوا عليه بأنه لا مناسبة بين هذه الآية وبين ما قبلها ولو كان هذا الترتيب من الله تعالى لما كان الأمر كذلك. واعلم أن في بيان المناسبة وجوهاً أولها: يحتمل أن يكون الاستعجال المنهي عنه، إنما اتفق للرسول عليه السلام عند إنزال هذه الآيات عليه، فلا جرم. نهى عن ذلك الاستعجال في هذا الوقت، وقيل له: لا تحرك به لسانك لتعجل به وهذا كما أن المدرس إذا كان يلقي على تلميذه شيئاً، فأخذ التلميذ يلتفت يميناً وشمالاً، فيقول المدرس في أثناء ذلك الدرس لا تلتفت يميناً وشمالاً ثم يعود إلى الدرس، فإذا نقل ذلك الدرس مع هذا الكلام في أثنائه، فمن لم يعرف السبب يقول: إن وقوع تلك الكلمة في أثناء ذلك الدرس غير مناسب، لكن من عرف الواقعة علم أنه حسن الترتيب وثانيها: أنه تعالى نقل عن الكفار أنهم يحبون السعادة العاجلة، وذلك هو قوله:بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَـٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } [القيامة: 5] ثم بين أن التعجيل مذموم مطلقاً حتى التعجيل في أمور الدين، فقال: { لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } وقال في آخر الآية:كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } [القيامة: 20]، وثالثها: أنه تعالى قال:بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } [القيامة: 14، 15] فههنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر التعجيل في القراءة مع جبريل، وكان يجعل العذر فيه خوف النسيان، فكأنه قيل له: إنك إذا أتيت بهذا العذر لكنك تعلم أن الحفظ لا يحصل إلا بتوفيق الله وإعانته فاترك هذا التعجيل واعتمد على هداية الله تعالى، وهذا هو المراد من قوله:لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءانَهُ } [القيامة: 16، 17] ورابعها: كأنه تعالى قال: يا محمد إن غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه وتبلغه إليهم لكن لا حاجة إلى هذا فإن الإِنسـان على نفسه بصيرة وهم بقلوبهم يعلمون أن الذي هم عليه من الكفر وعبادة الأوثان، وإنكار البعث منكر باطل، فإذا كان غرضك من هذا التعجيل أن تعرفهم قبح ما هم عليه، ثم إن هذه المعرفة حاصلة عندهم، فحينئذ لم يبق لهذا التعجيل فائدة، فلا جرم قال: { لاَ تُحَرّكْ بِهِ لِسَانَكَ } وخامسها: أنه تعالى حكى عن الكافر أنه يقول: أين المفر، ثم قال تعالى:كَلاَّ لاَ وَزَرَ * إِلَىٰ رَبّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } [القيامة: 11، 12] فالكافر كأنه كان يفر من الله تعالى إلى غيره فقيل: لمحمد إنك في طلب حفظ القرآن، تستعين بالتكرار وهذا استعانة منك بغير الله، فاترك هذه الطريقة، واستعن في هذا الأمر بالله فكأنه قيل: إن الكافر يفر من الله إلى غيره، وأما أنت فكن كالمضاد له فيجب أن تفر من غير الله إلى الله وأن تستعين في كل الأمور بالله، حتى يحصل لك المقصود على ما قال:

السابقالتالي
2