الرئيسية - التفاسير


* تفسير النكت والعيون/ الماوردي (ت 450 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } وفيه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها نزلت في قوم موسى عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن حيان.

الثاني: في المنافقين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، قاله الكلبي.

الثالث: أنها في المؤمنين من أمتنا، قاله ابن عباس وابن مسعود، والقاسم بن محمد.

ثم اختلف فيها على ثلاثة أقاويل:

أحدها: ما رواه أبو حازم عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: ما كان بين أن أسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول ما أحدثنا. قال الحسن: يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه.

الثاني: ما رواه قتادة عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة، فقال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } الآية.

الثالث: ما رواه المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقالوا يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى: { نَحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسنَ الْقَصَصِ } ثم ملوا مرة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله { أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }.

قال شداد بن أوس: كان يروى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ ". ومعنى قوله: { أَلَمْ يَأْنِ } ألم يحن، قال الشاعر:

ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا   وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وفي { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ } ثلاثة تأويلات:

أحدها: أن تلين قلوبهم لذكر الله.

الثاني: أن تذل قلوبهم من خشية الله.

الثالث: أن تجزع قلوبهم من خوف الله.

وفي ذكر الله ها هنا وجهان:

أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل.

الثاني: أنه حقوق الله، وهو محتمل.

{ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: القرآن، قاله مقاتل.

الثاني: الحلال والحرام، قاله الكلبي.

الثالث: يحتمل أن يكون ما أنزل من البينات والهدى.

{ اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها } فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: يلين القلوب بعد قسوتها، قاله صالح المري.

الثاني: يحتمل أنه يصلح الفساد.

الثالث: أنه مثل ضربه لإحياء الموتى. روى وكيع عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الأرض بعد موتها؟ فقال: " يَا أَبَا رُزَينَ أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحَلٍ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضْرَةً؟ قال: بلى، قَالَ كَذَلِكَ يُحْيي اللَّهُ المَوتَى ".