{ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنها نزلت في قوم موسى عليه السلام قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن حيان. الثاني: في المنافقين آمنوا بألسنتهم وكفروا بقلوبهم، قاله الكلبي. الثالث: أنها في المؤمنين من أمتنا، قاله ابن عباس وابن مسعود، والقاسم بن محمد. ثم اختلف فيها على ثلاثة أقاويل: أحدها: ما رواه أبو حازم عن عون بن عبد الله عن ابن مسعود قال: ما كان بين أن أسلمنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين، فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول ما أحدثنا. قال الحسن: يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه. الثاني: ما رواه قتادة عن ابن عباس أن الله استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاثة عشرة سنة، فقال تعالى: { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ } الآية. الثالث: ما رواه المسعودي عن القاسم قال: مل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة فقالوا يا رسول الله حدثنا، فأنزل الله تعالى: { نَحنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسنَ الْقَصَصِ } ثم ملوا مرة فقالوا: حدثنا يا رسول الله، فأنزل الله { أَلَمْ يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ }. قال شداد بن أوس: كان يروى لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الخُشُوعُ ". ومعنى قوله: { أَلَمْ يَأْنِ } ألم يحن، قال الشاعر:
ألم يأن لي يا قلب أن اترك الجهلا
وأن يحدث الشيب المبين لنا عقلا
وفي { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكْر اللَّهِ } ثلاثة تأويلات: أحدها: أن تلين قلوبهم لذكر الله. الثاني: أن تذل قلوبهم من خشية الله. الثالث: أن تجزع قلوبهم من خوف الله. وفي ذكر الله ها هنا وجهان: أحدهما: أنه القرآن، قاله مقاتل. الثاني: أنه حقوق الله، وهو محتمل. { وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: القرآن، قاله مقاتل. الثاني: الحلال والحرام، قاله الكلبي. الثالث: يحتمل أن يكون ما أنزل من البينات والهدى. { اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها } فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يلين القلوب بعد قسوتها، قاله صالح المري. الثاني: يحتمل أنه يصلح الفساد. الثالث: أنه مثل ضربه لإحياء الموتى. روى وكيع عن أبي رزين قال: قلت يا رسول الله كيف يحيى الله الأرض بعد موتها؟ فقال: " يَا أَبَا رُزَينَ أَمَا مَرَرْتَ بِوَادٍ مُمْحَلٍ ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ يَهْتَزُّ خَضْرَةً؟ قال: بلى، قَالَ كَذَلِكَ يُحْيي اللَّهُ المَوتَى ".